ظمأ - محمود فرغلي

خَلَعَتْ قِرْطَيّْهَا وسِوارَ يَديّْهَا
فقميصُ الفطرةِ في سُهٍد يَتَدَلَّى
فكَّتْ زهوَ ضفائرِها
وبريقَ العينينِ ،مشَدَّاتِ النّهْدينِ
نَزَلَتْ
سَبَحَتْ
عاريةً إلا منْ صَلفِ الأنْثَى ،وبكارةِ جسدٍ يقطرُ بالوحشَةْ .
سَبَحَتْ
واغْتَرَفتْ من جمْرِ تشوّقِهَا
سَاءَلَهَا الموجُ لماذا ؟
ردّتْ: عطْشَى
عاوَدَها الموجُ التَّسْآلَ
فقالتْ: ولْهَى لحبيبٍ يتمنَّعُ من زمنٍ
قال الموجُ: وكيفَ لمطْلُوبٍ أن يطْلُبَ،
يكبو، ويريقُ دماءَ تمنُّعِهِ
في جسدٍ لدنٍ
قالتْ: في زمنِ الدهشةْ
قِيل: وما زمنُ الدهشةْ ؟
قالتْ: زمنٌ تتبدّلُ فيه الأشياءْ
تَزْهو بالقبحِ ضمائرُنا
نحملُ بين جوانحِنا وحْشاً يترقَّبُ خطوَ فرائسِهِ
في شوقٍ ممقوتٍ ينتظرُ النّهْشَةْ
زمنٌ نألفُ فيهِ الأعمارَ المسكونةَ بالأشباحِ،
ونعتادُ حُبوبَ الضَّغطِ ومنعَ الحملِ وحمْلَ الهمِّ،
وأكوابَ السهدِ اليوميّ وطعومَ الأدويةِ المذّةُ
نشربُ ِمنْ ظمأِ الأيامِ الرشْفَةَ تُلوَ الرّشْفةْ
قيل: وما زمنُ الدهشةْ ؟
قالت : زمنٌ يحسدُ فيهِ الأحياءُ الموتَى ،أو يحيا الأحياءُ بأرواحٍ
خامدةٍ وقلوبٍ هشّةْ
قالت : حينَ تعيشُ الأزمنةَ القصديريةَ لا ترجو من ربِ الأرضِ سبائكَ منْ ذهبٍ أو فضّةْ
لا تطلبْ من أحدٍ قشّةْ
قال الموجُ : وماذا أفعلُ إنْ جاءَ الزمنُ القصديرْ ؟
قالت : إنْ تسْطَعْ أنْ تدفنَ كالنعامةِ رأسَكَ فافْعَلْ
إن تسطعْ أن تصنعَ أجنحةً للغربةِ والرحلةِ فارْحلْ
إن تسطع أن تحملَ نعْشَكَ فاحملَ
فالأحياءُ همُ الموتى
طُوبَى للحيّ الميّتِ إنْ يحملْ نعشَه
غيّبْ نفسَكَ في صحراءِ الغربةِ مثْلي
حين يفارقُنِي نهْري
أخرجُ من جَسَدِي 0
، آوِيْ للبحرِ ولا آبَهُ لملُوحَةِ قاعِ البحرِ ولا أخْشى قِرْشَهْ.