أن تفرَّ إليها - محمود فرغلي

الآنَ أعلو مُهرتي البيضاءَ أُطْلِقُها تغمغمُ في الفضاءِ بإِسمِها

كيما تقرَّ على شواطئِ هدبِها

: يا نورُ جئتُ إليكِ فوقَ مُنمنماتِ البوحِ مأزومَ القصيدةِ

جِئْتُ سيراً

جئتُ شِعراً

غيرَ أَنّى لم ألجْ

يا نورُ…

: هل تكفى تسابيحُ المولَّهِ للصعودِ إلي المغارةِ ،

والتنعُّمِ بالرحيق على مشارفِ أيْكِها،

يا أيها اللصُ الصفيقْ .!

خمسونَ عاماً تحتَ أسوارِ الحقيقةِ،

بالجراحِ يَنُوءُ جنبيِ والسهامِ،

فكيف تختصِرُ الهيامَ بنطقِ حرفْ.

اللهُ يعبدُ بالصلا ِة وبالصيامِ،

فهل جعلتَ لبهجةِ الأسماءِ طقساً أو ِعبادْة ؟

أطلقْ مدادَك بالخيالِ تجرُّ قلباً عاشَ عمرَهُ باحثاً

عن دُرّةٍ في عينِ نورٍ قِيل عنها أنها لبُ السّعادةْ

أطلقْ مدادَكَ وانطلقْ

حتّى تُقابِلَ طيفَها

بين السطورِ وفوقَ ظهرِ الحلمَ تنعمُ باللقاءِ

فَغَنِّهَا

: يا ليتَ أنَّّا يا حبيبةُ قطرتانِ من النّدَى

في غفلةٍ من خلفِ مَن رصدَ السماءِ تَوَاعَدَا

فتمازجَتْ أشُواقُ

سَقَطَا بصفحَةٍ زَهْرةٍ

فَتَمَايلتْ ،

وتجمَّعتْ

؛ كيما تباركَ غَرسَنا الأوراقُ

- خَسِرَ الذي عرفَ الطريقَ ولم يصلْ،

فاطرحْ "بياضَكَ" للحبيبةِ

عَلَّها تستمطرُ الغَيْمَ البعيدَ محبةً ،

إنَّ المحبةَ قدْ جَفَتْكَ فصوُلُُها

مِن قبل أنْ تُرخِى زمامَ الراءِ

تَكْلَؤُهُ على طرفِ اللسانِ لكي يبينْ .

فاطرحْ " بياضَكَ " ألفَ بيتٍ من ُمعتّقِ ما رواهُ

الأقْدمونَ المُحدَثُون عن الهَوى،

واصدعّ بما أمَرَ الفؤادُ لدى التي

وَهَبَتْ ربيعَ العاشِقينَ أريجَها

لجلالِ مَن مِن أجلها،

ِمن جوهرِ الطينِ المغمّسِ بالأسَى

خلقّتِ شِعرا ما ارتَوى من خمرِ نورٍ ساعةً

ما صكَ باباً غيرَ تبريحِ النّوى

فاقُطفْ لها أيقونةً ،ومِدادَ محبرةٍ ،

وطوِّفْ في القصيدِ بكلِ أسمالِ الجَوى

: النونُ ، نورسُها القديمُ يخطُّ في قلبي أهازيجَ البراءةِ كلهِا

أطيافهَا ، أنداءَها ،ولظَاها

الواوُ ،وشمٌ في دَمي

نَقَشَ الحياةَ ِبمعْصَمِي ،فَأَضَاءَ من خلَلِ الظلامِ ثَنَاها

الَّراءُ، رُوحُ السَّلسبيلِ تسَلسَلتْ بِسَعادةٍ

بِشجُونِ كلِّ العاشقينِ شَراها

- خسِرَ الذي عرفَ الطريقَ ولم يفرّ

إلى مرافئِ هُدْبِها

فانثرْ دِماءَكَ في دُروبِ لِقائِها ،

واغسلْ فؤادَكَ من صميمِ رِضابِها

السَّابحونَ ببحرِ نورٍ كَثْرةٌ

والغارقونَ بمقُلتَيْهِ قليلُ

فانْظمْ فؤادَكَ للوصولِ قصيدةً

تَخَذَتْ من الألمِ النبيلِ دليلاً

: يا نوُر يا هبةَ الكريمِ لمُدْنَفٍ
أَمْسَى لطولِ صبابةٍ مَهْزُولا

أرْخَى الظّلامُ على الفؤادِ سدَولَهُ
حتّى أنرتِ بوجهِكِ القِنْدِيلا

قَطَعَ الحياةَ إلى عيونكِ راحلاً
يَطوي إليكِ مواسماً وفُصُولا

ضاقتْ به الدنيا وليسَ بمبتغٍ
غيرَ الوصولِ إلى العيونِ سبيلا

يَستافُ من سُمِّ القصيدةِ َرشْفةً
فَلَرُبمَّا تشفِي السمومِ عَلِيَلا

إنِّي عشقتُكِ والمسافةُ بَيْنََنا
خَشَعتْ لنِبْرَاسِ العيونِ طَويلا

ولقدجعلتُكِ للعيونِ مَلِيكَةً
ووهبْتُْها زهرَ الرُّبا إِكْلِيَلا

أَهواكِ يا هِبَةَ الكريمِ لِمُقْتِرٍ
مازالَ في زمنِ الهوانِ نَبِيلا

أُعْطِيتُ عينَكِ والصبَاَبةَ والهوى
حَاشَا لِرَبِّى أنْ يكونَ بَخِيلا

: للحرفِ سُطوتُه التي شَقّّتْ ضُلوعِ الريحِ

فانتثرتْ أَرِيجاً في الُّّدَنا ،

فاركبْ إلى عينِ الحبيبِ قصيدةً ،

واصْدحْ بقلبِكَ ، بلْ ِبكُلِّكَ،

للوصولِ فَقُلْ …تَصِلْ

فالقولُ كَنْزُ المتعبينَ،

و إِنْ وصلتَ إلى تُخُومِ رِضَابِها

أَبْلغْ عن الشيخِ الضريرِ رسالةً :

" يا كمْ ُأحبّكَ يا أنا " .