مفتاحٌ وحيدٌ وحُجراتٌ ِعدة - محمود فرغلي

إلى المفكر الفلسطيني الراحل /أحمد صدقي الدجاني
هَذا مَقَامَكَ في الِغيابِ
حُضُورُ طَيْفكَ في حَواصلِ طَيْرِها ،
وبزُوغُ فجْرِكَ منْ ربيعٍ أخضرِ القَسَماتِ
يرفضُ أنْ يُناوءَه التَّحولُ ،أوْ تُبَدّده الفصُولْ .
وصهيلُ قلبِكَ فوقَ أضْرحةِ الأُولَى
ظنُّوا بريقَ الشّيبِ في فَوْدَيْكَ شَارةَ غَيْبةٍ
هلْ غَابَ مَنْ بَزَّ اليَمامَ بِشوْقِهِ؟
وأعادَ جَدْوَلَةَ الحيَاةِ مُشَايعَاً
ريحاً يُقارعُها المسَافةَ بالمسَافةِ
يَسْتَحثُ جَنَاحَهُ المقْصُوفَ
أنْ يَطْوي البلادَ "حَبيبةً عَقَدَتْ زنَارَ الشّمسِ حولَ ضَفِيرةٍ كالحُلمِ
وانْتَثَرَتْ على الخِيمِ الْبعيدةِ في خُطوطِ النّارِ "
هلْ نارٌ هُنَاكَ سوى الترجّلِ عنْ صهيلِ الحلمِ في عينيكَ ؟
إقلاعُ المفَاتيحِ القَدِيمةِ
عنْ مغازلةِ المغَالقِ والقفُولْ ؟
ما غَابَ مَنْ بزَّ اليمامَ بعشْقِهِ
هيَ رحْلَةٌ شقَّتْ جِدَارِ الصَّمْتِ
مِنْ أحْشَاءِ سنبلةٍ إلى حقلٍ يُقيمُ الغَيمُ فوقَ رُبَاه مَأْدُبةً
بِطعمِ نَشيدِكَ الوَطَنيِّ ، مِيقَاتِ الصَّلاةِ ، آونَةِ الحَصَادِ ،
تَفَتُّحِ البَسَمَاتِ في الوَجْهِ الصبُوحِ لِوَْدَةٍ
يَخْشَى تَوَهُّجَها الذّبُُولْ.
هَا أنتَ تَجرِي كَي تُجَربَ في جِدَارِ الموتِ مِفتاحاً
تمَلْمَلَ في انْتظارِك ، تَستعيدَ براءةَ البابِ المُعنَّى
مِنْ لُصُوصٍ تَخْتَلِي
بالسَّرْوِ والزيتونِ ،
تَخْطُفُ مِنْ نوافِذِهِ الصَّبَاحَ
،وتَسْرقُ الأنْداءَ مِنْ إِطْلالةِ الليمُونِ
يا وَجَعَا أبيَّا
لا يُخادِعُ ، أوْ ُيُهادنُ ، أو يخونْ .
الواقفونَ على دمائِكَ وَاجِمونْ .
يَتَأَقْلمونَ مع الفضيحَةِ كالمعَاطفِ حين تُسْلمُ ظهرَها للطَّقسِ والأمطارِ
في دعَةٍ تُسَالمُ النّشَرَاتِ تُذْعُنُ للبرودةِ والشتاءْ.
الواقفونَ
تأقْلَمُوا .... ومناخَ فَقْدِكَ
مُسْلِمونَ
وأَسْلَمُوا ... مِفتاحَ قدسِكَ
مُنْعَمُونَ
وَفُزِّعُوا .. مِن شوقِ قلْبِكَ
صَادروا الجُدْرانَ والأحلامَ، و الأطفالَ،وانْتضزَعُوا
عَرِينَك مِنْ عيونِكَ كي تَلِينْ.
الخاضعونَ
الخاشعونَ
الذَّائبونَ
الخافتونَ
الصَّامتونَ
الصَّائِتون
مطيةُ الّزمنَ العَنِينْ
هُمْ يجهلون بأنَّهُ
ما كانَ يوماً يستحقُ الضوءَ مَنْ
سَكَنتْهُ أشْبَاحُ الأفُولْ.
هذا حضوُرُكَ في الغيابِ
حضورُ زيتونِ القُرَى
مُتَعثّرِ الخطواتِ ، يَكْبُو في الطريقِ إلى الجَنازَةِ
قدْ تلوحُ الدهشةُ الحمْقاءُ
في أحداقِ مَنْ خَانُوكَ
حينَ رَأَوْكَ تقْطُفُ حُجْرَةً ،ومساحةً أُخْرَى بحجمِ السّنبلةْ .
هَا أنتَ في المعْرَاجِ تقتصدُ المسافةَ
كي تُعيدَ تَوَهُّجَ المفْتَاحِ
تَمحُو عن ملامحِهِ الحزينَةِ حُزنَهَا
لِيَعودَ يَلمعُ في فؤادِكَ
للحَدِيدِ الغُفُلِ فيه توهَّجٌ
للبابِ بين يَديكَ أشواقُ المُحبِ المُنْتَشِي
وجَوادُ قلبِكَ حاملٌ
وجهَ الحبيبةِ………….
، ألفُ بابٍ للحبيبةِ ،ألفُ سرْدابٍ تَمَدَّدَ
للمرورِ إلى مخادِعِهَا
يمرُّ الساسةُ التجُّارُ، عُمالُ النظافةِ ، باعةُ الأسمنتِ ،بنّاؤو الجدارِ ، وَرَاقصُو الحاناتِ ،عُشَّاقُ المعابدِ والمزاراتِ القديمةِ
تفْغُرُ الأبوابُ فَاهَا!
عَبَرَ تْ جموعُ الخائنينَ وما عَبَرْتَ إلى قُراها
يوماً وما شَبعَتْ مِنَ الأقصَى عيونْ
وجهُ الحبيبةِ واحةٌ للمَينِ والكَذبِ المقدّسِ ،
والخرافاتُ الجهيرةُ تَرْتَجِي موتَ الحبيبةِ
والحبيبةُ في الفؤادِ - َككَيِ نارً - لا تزولْ
ها أنتَ في زَبَدِ المكانِ مُقلَّدَاً مفتاحَ شوقِكَ
كي تعيدَ إلى النوافذِ حلمَهَا ،وتُوَارِبَ البابَ المسجَّى
و تقولَ في فرحِ الرسولِ : أنَا لَهَا
وأنا لَهَا
لِتَنَالَهَا
عيناكَ مفتاحُ القصيدِ تدقُّ بابَ سُمو قِها
وتزيلُ بابَ خُمُولهِا
وتقولُ للإخوانِ في دعةِ الذي نَجَرَ البلادَ على رُفَاتِ ضُلُوعِِهِ :
َلابدَّ للمفتاحِ من بابٍ جديدْ
َلابدَّ للأبوابِ من بيتٍ جديدْ
َلابدَّ للبيتِ المجرَّفِ مِنْ وطنْ
وطن ………..وطنٌ
وطنٌ يَمِيزُ،و يَنْخُلُ الأبنَاءَ يصْهَرُهمْ
على نار التَّعشقِّ والفداءِ
لكي تعودَ الشمسُ حاملةً
بِزِنْدَيهْا معالمَ بهجةٍ فُقِدَتْ بِغزَّةَ والخليلْ
للصبحِ بين يديْكَ خارطةٌ تلوّنُها كما شاءَ الهوى
أَتُراكَ تعرفُ ما يقولُ السروُ للزيتونِ ؟
ماءُ الأرضِ لليمونِ
دمعُ العينِ للثَّكْلَى
ماذا يقولُ العشبُ عندَكَ في المساءْ ؟
جَرِّدْ سلاحَك أو جوادَك أو فؤادَك
في طريقِ المستحيلْ
هلْ قَرَّ قلبُكَ حينَ أنْ أخرجتَ مفتاحاً قديمَ الوجهِ
يضحكُ مِلءَ سترةِ عاشقٍ، يَهْوِي إلى كفيْكَ
ُيدركُ ما يقولُ الموتُ في عينيكَ
عن لغةِ البطولةِ ،عن بلادٍ أُتْرِعّتْ حيطانُهَا
بملامحِ الوجعِ النبيلْ؟
هو ذا الخليلْ بلا خليلٍ يُرْتْجَى
والقدسُ يرفعُ شارةَ التسليمِ مِن خَمسينَ عاماً
في انتظارِ الرحمةِ المُسْدَاةِ مِن جَرَّافةٍ أو طائرةْ
والحزنُ يسقطُ في طقوسِ الإعْتيادِ
يَلُفُ أرضَكَ في ثيابِ الصمتِ يَحْتَدِمُ الرحيلْ.
...................كُُلُ البلادِ مسافرةْ
و الموتُ رحلتُنَا الوحيدةُ للوصولِ إلى منابعِ دمعِهَا
الموتُ فرصتُنا الأخيرةُ للبقاءْ
فَاقْذفْ حديدَك أو فؤادَك أوْ جوادَكَ
في بقايا البيتِ
يَنْصُبُ قامةًً
وتعودُ للمفتاحِ ذاكرةُ الدخولْ.