غريب - مروة دياب

غَريبٌ بأرض النّيـلِ مَزَّقَـهُ الهَـوى
أما عاد في قلب الكنانـة مـن غـدِ؟

غريـبٌ و أشبـاحُ المَنايـا تَلوكُنـي
و نير الليالـي فـوق قلـبٍ مُسَهَّـدِ

أُطَبِّـبُ أَدْواءَ الأَنــامِ وَ دَمْعَـتـي
على الخد تكويني و قد عَزَّ مُنْجِـدِي

فلا باكيًـا أمسيـت أَنْـدبُ غُرْبَتـي
و لا شاكيًـا حالـي و مُـرَّ تَجَلُّـدي

و لا ضائقًـا مِنْـوالَ عُمْـرٍ قَضَيْتُـهُ
بعيدًا بذا المنفى، و عن حلم مولـدي

غَنِيٌّ عن الدنيـا.. و تلـك مَعَزَّتـي
و ما هِـيَ عَنّـي بالغنـيِّ المُزَهَّـدِ

غَنِيٌّ و كـل النـاس حَوْلـي مَواقـدٌ
على المال من عـانٍ فقيـرٍ و سَيِّـدِ

إذا الليلُ يَسْقيني السُّهادَ فَما الضُّحـى
يُريـح فـؤادي مـن عـذابٍ مخّلَّـدِ

و ما الصُّبْحُ مِمّـا أَرْتَجيـهِ مَخافَـةً
و ما الخطب يُضْني أي مُهْـرٍ مُعَـوَّدِ

و لكنَّنـي ساءَلْـتُ دَهُـرِِيَ
ساعـةً أداوي بهـا مـا أتلـف المُّـرُّ للغَـدِ

رسمتكِ حلمـي و الْتَمَسْتُـكِ غايتـي
و حَطَّمْتُ ما دون ابتغائـك مـن يـدِ

فَبِتُّ و قد سُلّيـت عـن كُـلِّ مِحْنَـةٍ
و أصبحت قـد نُسّيـت كُـلَّ تَشَـرُّدِ

تَراني الدُّنا بالبشْرِ أَرْسـمُ صَفْحَتـي
و بالحكم أرنو نحـو عِـزٍّ و سـؤددِ

و ما كُلَّ بَسّـامٍ سَمـا الفـرح أُفْقُـهُ
و ما كل وَقّاد مـن الحكـم يهتـدي

و ما كل باكٍ من رُبـى الغـم ناهـلٌ
فما الدمعُ غير البرءِ للجـرحِ و الغـدِ

هو الحزن.. قهرُ الدمعِ إن لاح طيفـه
و إحجـام آهٍ.. مـن فـؤادٍ مُـوَقَّـدِ

و أَنَّـة قلـبٍ حَطَّـمَ اليَـأْسُ كَوْنَـهُ
و بسمـة جـرحٍ صامِـدٍ مُتَجَـلِّـدِ

أضاحك دمعي.. تلـك قلـة حيلتـي
و أبرئ جُرْحـي بالحُسـامِ المُهَنَّـدِ

و أشكو فؤادًا ناءَ بالشعر و الهَـوى
و أضحى كَطَوْدٍ عاجِزِ القَلْبِ و اليـدِ

إذا الليل أسـرى بـي إليـك رَدَدْتُـهُ
و جَرَّعْتُ قَلْبي كَـأْسَ وَجْـدٍ مُسَهّـدِ

أنا كبريـاء ليـس تُدْرِكُـهُ الـوَرى
أنـا روح إنسـانٍ قتـيـلٍ مُـشَـرَّدِ

و عِـزَّةُ نَفْـسٍٍ أَسْتَبيـحُ لأجْلِـهـا
دمائي.. فإنـي صَـرْحُ عِـزٍّ مُوَطَّـدِ

عزيزٌ فؤادي ليس يخفـضُ عَرْشُـهُ
عُقاب الجَـوى، لكـنْ برِقَّـة سّيِّـدِ

تضيق الدنا في مقلتَـيَّ و لـم يكـنْ
سوى جُرْحِكِ المَعْجونِ بالهَوْلِ مَوْعِدي

رأيت احتضـارًا أن أكابـر عيشهـا
و أكبرَ جُرْمٍ أن أَقـولَ لَهـا: قَـدي!

و أن أُسْلِمَ الغَـدْرَ العَتيـقَ جُذورَهـا
ليجهض شعبًا ذاب شَوْقًا إلـى الغَـدِ

فلا تتركينـي.. و السُّيـوفُ تحفنـي
و أشْواكُ من تَدْرينَ غَيْبي وَ مَشْهَدي

و لا تتركينـي.. فالسِّبـاعُ تَرَصَّـدَتْ
و قد سَقَطَتْ قيثارَةُ الشِّعُرِ من يَـدي

فكيـف إذا آنَسْـتُ قُرْبَـكِ رَدَّنــيه
وانـي و إن أُقْصيـتُ لـم أَتَـرَدَّدِ؟

و كيف إذا وهْـجُ الحَنيـن يَقودُنـي
لعينيك أهـوي تارِكًـا كُـلَّ مَقْصـدِ

هو الحُبُّ يا غَيْـثَ الفُـؤادِ و لَوْعَـةٌ
فريعانُ عمري أَنْتِ.. و الحُبُّ مَعْبَدي

طبيب!! و لي أرضٌ تَفَتَّـقَ جُرْحُهـا
و قد عَجزَتْ عن برْءِ آلامِهـا يَـدي

طبيبٌ و لا يُجْـدي دَوائـي أَحِبَّتـي
فكيـف بِعَيْـشٍ للطَّبيـب المُقَـعَّـدِ؟

سَئِمْـتُ زَمانـي و الحَيـاةَ بِأَسْرِهـا
و بِتُّ أُنادي المَوْتَ إن كانَ مُنْجِـدي

يلومونَ دمْعي إذ بَكَيْتُـكَ يـا هَـوى
أمـا عَلِمـوا أنَّ الدُّمـوعَ مُهَـنَّـدي

أَمـا عَلمـوا أنَّ العَزيمَـةَ دُمِّــرَتْ
و في الدمعِ قيثاري و سيْفي و مِذْوَدي

سَأَبْكيكِ يا شَمْـسَ الكِنانَـةِ ضائِعًـا
فإن مـتُّ فانْسينـي و إِلاّ تَجَلْمَـدي

و إن متُّ لا تَبْـكِ الوَفـاءَ بِمُقْلَتـي
فقد عِشْتُهُ.. العُمْرَ الأَليـمَ بِـلا غَـدِ