أغنية لسورِيّا - مروة دياب

ألا..
إني دموع الصبح في عينيك..
أنّى تمسحي قلبي
فلا يبقى سوى رسمي
على جدران أُغْنِيَةٍ
لِسورِيَّةْ..
فقومي و امسحي بِدَفا عُيونِكِ
فَيَضَ أحزاني
و سُلّي من دمي بيديك يا أَمَلي
عذاباتِ الأسى و جُذا الحنينِ..
أَتعلمين الشوق كيف يَعضُّ أوصالي؟
كأني من كتبت البَيْن عنكِ
و أنت روحي
مثلما أنا فيك سَوْسَنَةٌ
و لكِنّي بعشقك نبع آهات الأنينِ..
متى ذَكَرْتُكِ..
يَخْفق القلب المُدَجَّجُ بالمواجِعِ
آملاً سَكَنًا
يُنَسّيهِ الأسى و جَفا السِّنينِ..
أ تذكرينَ؟
أم افتقدت ملامحي؟
و قد ارتوت من جرحك الذكرى..
و غارت في دماه خطى الطغاة و مزقت رسمي
قولي برب الكون يا روح الوجود
أَمَزَّقوا ذِكْري؟
أَحالوا بين قَلْبَيْنا؟
أم اجتاحت جحافلُهم عيونَك..
فامَّحت ذكرايَ بين ضفاف بَرْدى
أخبريني..
هل قَسَوْتُ عَلَيْكِ حتى تُنْكِريني؟؟
أَذيبيني بنهرك كيف شئْتِ
و في العذاب الحُلْوِ بين يَدَيْكِ صُبّيني
أذيقيني حنانكِ
لو بقسوة جرحك المسكوبْ
و قولي للدُّنا أني
ضَحِيَّةُ قلبك اللاهي
...
و ضميني لصدرك
أسكب الأجراح بين دموع عينيكِ
و أنسى كل آلامي
بدفء رحيق كفيكِ
و أحيا بعدما
ذاق الفؤاد مرارة الهجران
بين الشوك و الموتِ
و بين البعد و الأشواقِ و الصمتِ
و بين منابعٍ للحزن أذكرها
و أذكر كم تجرعتُ الردى من مائها الجافي
و كم فاضت على قلبي
و أضرت فيَّ نار الشوق و الحرمان
فلا سكنًا لقيت و لا هنًا إلا بِبابِكِ
صَدّقيني..
هل قطعت الغاب إلا
كي أراك و كي تَرَيْني؟
أخبريني يا دمشقُ
أهانت الدنيا
فهُنْتِ على الورى
و تناثرت ذكرى الصبابة و الهوى
و نسيت أحلامي
و أحلامًا بنيناها معًا
في ربوة كانت على التل البعيد
تُعيد أغنيتي
و تنشد كل أشعاري
و كانت إذ تغيب العين عنك تذيع أسراري
لتفضحَ كلَّ ما أخفيه في قلبي
و تكشفَ حبِّيَ المخبوءَ بين مواجع الأزمان
أعيديني..
لأشجار الصنوبر و الخزامى
تحت غصن التوت بين شقائق النعمان
حيث اعتدت أن ألهو و أحبابي
مع الأنسام حين تهف من بردى
تداعب خصلتي الشقرا
و تضفي من صباه عليَّ
نورَ ملامحٍ شامِيَّةِ الرسم
و تكسوني بنور الحب و الإيمان..
...
أجيبيني..
بربك لا تلوميني
فإني لا أزال قضية
في الغيب أجهضها حِمام اليأس و الأوهام..
و لمّا يرتوِ عودي
فأنت الخنجر المغروس في أملي
و أنت الحب و الأحلام..
أسوريَّةْ..
دموع الصبح تنذرني بخطبٍ لست أُدْرِكُهُ
فما بال النَّهار يجوب قافِيَتي
و لا يُلْقي سِوى الإظلام؟؟
و ما بال الزهور تموت في لُغَتي
و طير الحق يهجر دوحةَ التغريد
تقبع فيهما الغربان؟؟
أسورية..
بربك لا تلوميني
و قولي من أزاح البدر عنك
و سَلَّطَ السيف العقيم على ربى دارك؟؟
أجيبيني..
لقد أضوانيَ التغريبُ
حتى صرت مثلَ الطائر المجروح
إذا يرسو على فَنَنٍ
تسربلتِ المروج بدمِّه المسفوح
فتورق في البراري ألف سنبلةٍ
من الآلام و الأحزانْ
أنا عربي..
بأرضك راضعٌ عزمي
بأرضك كبرياء الحق زلزل كل أركاني
بأرضك قد عشقت البحر و الإنسانْ
و فيها روح أجدادي
أبي كنعانْ..
و منها شاربٌ مأساةَ أوطاني
و منها مشعلٌ بالنصر نيراني
و فيها غارسٌ قدمي
لتبقى للعروبة حصنها الحامي
و تبقى للشموخ منارة تفدى
و تبقى الحبَّ و الإيمان
...
إليكِ.. فلا تلوميني
أنا حجر ببابك لن يقُضّوني
أنا وتر بعودك أعزف الألحان بين غصون زيتونك
أنا طفل بأرضكِ
أُخْبِئُ الأنسام و الأشواق في قلبي
و أحمل في يدي حجري
بربك لن ينالوني..
فَسُلّيني..
سيوفًا أخرق الأجساد كي أحمي أراضيكِ
و صُبّيني..
رصاصًا وابلاً صلدًا
دروعًا من لهيب الحق أصهر من يعاديكِ
إذا شئتِ
و إن شئت انثريني فوق زهر الشمس
روحًا أُعْلِمُ الأكوانَ طُهْرَ العاشق الواني
خذيني من حواضر أمسِيَ المعجونِ بالتزييف و الأهوالْ
و ألقيني على أعتاب عينيكِ
على حَبّات رملك ذلك الحاني
فقد سَئِمَتْ جفوني رمشها المبلولْ
و رحلة بحثها الدامي عن المجهولْ
و شاخت في عيوني كلُّ ضاحكةٍ
فما عادت تَذَكَّرُ غير آلامي
كيانٌ عند ذاك الشَّطْ
يَهُدُّ النّيلُ فيه مع الزمان أنا
أعيدي لي رياحينَ الصِّبا
و رحيقَ عينيكِ
__________
يناير 2006 م