وقائع محاكمة قلم شاعر - مروة دياب

غادرت بلادي..
كي أُطْلق عينيَّ تنادي
كيف تريد و كيف تشاءْ
كي أكتب شعرًا يشفيني
لا يتعب عين الرقباءْ
كي أخلد لسُكونٍ أَبَدِيٍّ
لمكان يسلبني حزني
يكفيني شرَّ الغرباءْ
فجلست لكي أنشد شعري
تحت غصونٍ ورديةْ
و ملأت الكون بألحاني
حبًّا و أغانٍ أبديةْ
فانتصف الليل و أشعاري
لا زالت تمنحني نوري
و سهادي يمنحني ناري
فشردت عن الكون الواسعْ
كي تنسى عيناي الواقعْ
يكويني بدماءٍ عربيةْ
كي أبحث عن حلمي الضائعْ
عن أشلاء الحريةْ
فاخترقت ضوضاء شرودي
و وجدت جنودًا أخذوني للسلطان
و رموني عند الديوان
كان مهيبًا و عظيمًا
ترتجُّ لمرآه الأكوان
لكنه في نظري
يشبه جحْرًا للجرذان!
فنهضت عن الأرض و قمْتُ
و تقدمت إليه و قلتُ:
أحسبني أخطأت مكاني
لقصورٍ ليست لزماني
لكن جنودك أسروني جلبوني و الناس نيامْ
و إليكم أرفع مظلمتي
باسم الله و باسم الحق و بالإسلامْ
صرخ السلطان:
- جاءت لبلادي أخبارٌ
عن شعرٍ أنشد بمكانٍ
لا يصلح بين الأشعار
عن قلمٍ يرفض سلطاني
يتكلم باسم الأحرار
و يثور بوجه الإعصار..
- لم يفعل قلمي!! لم يفعلْ!
- قل ماذا كنتَ تقول و تعملْ؟
- كنتُ أغنّي للحرية.. للمستقبل
- آلحرية في عهدي؟
- كلا مولاي!!
الحرية لا تعني
أن تسلب أنفاسي منّي
أن تحكم عقلي و خيالي
باسم الإيمان
الحرية لا تعني
جلاّدًا يرأسُ محكمةً
أو سيفًا يمخُرُ أوصالي
و سجونًا في كل مكان!
الحرية مِلْكُ يميني
لا مَلِكًا منّي ينزعها
أو مُلْكًا عنها يغريني
كلاّ مولاي..
- قل من عَلَّمَكُمْ هذا المعنى؟!!
- كل قواميس الإنسان
فالحرية لفظٌ تعرفُهُ كُلُّ الأديان
- فلْيُحْرَقْ ذاك القاموس
و لْتُمْحى كُلُّ الأديان
من علمكم هذا المعنى؟!
- علمني شعري..
و قيود الظلم تحاصرني
و سجون القمع تطاردني
و سيوف القهر تعاورني في كل مكان!
علمني شعري أن أصرخ
لا أخشى جور السلطان
إن كان لِيَ السجن المأوى
أو كان لِيَ القبر المثوى
أو رمسًا خلف القضبان
- سنمزِّقُ أشعارك و سنمحو
كلَّ الأصداءْ
- إن كان يضايقكم شعري لا ترموه
فسأكتب غيره!!
- و سنسحقُ كُلَّ الشُّعَراءْ!
- قل لي مولاي لمن أكتب؟
هل أكتب عن زهرٍ حُلْوٍ
يسكن شرفات الرؤساءْ؟
أو أكتب في حُسْنِ جَوارٍ
يمْلأنَ قصور الخُلفاءْ؟!
أم أكتب عن وَطَنٍ ضائِعْ
عن أمة حَقٍّ تتردّى
و شعوبٍ خُلِقَتْ خرساءْ؟!!
قل لي مولاي.. لمن أكتب؟!
- اكتب عني.. عن عدلي عن حكمي.. عن حسني
- كلاّ مولاي.. فلا أقدر
- يا مجرم.. يا مجرم!!
- لم أسرقْ.. لم أقتُل.. لم أظلمُ!!
- إن لم تفعل يا هذا
- فسآمُرُ جلاّدي
أن يحشرَ أبناء بلادي
كي أسجن شاعرنا الأعظم
أو أقتل شاعرنا الأعظم
إن لم يكتب للسلطان
- بيتي و سجونك سيّان
لكنَّ الشِّعْرَ هو الأنقى
موتي و حياتي وجهان
لمشيئَةِ ربّي يا هذا
فالكون فناءٌ مكتوبٌ
سيزول الظلم و لن يبقى
و يظل الشعر هو الأبقى..
فاجتمع النّاس ليبكوني
أهلي.. أصحابي ينعوني
و قلوب الناس قد انفطرت
و بنار الظلم قد احترقت
أشعاري شامخةٌ صرخت:
"أبقى.. أو يبقى الطغيانْ"
فعصور الطاغية اندثرت
إلا عصر السلطان..
جاء السلطان و في يدهِ
سيفٌ بتّارْ
يعكس ضوء الحَقِّ على جسدي
نورًا أو نارْ
قال السلطان:
- ألن تكتب؟
- بل أكتب مولاي:
"أبقى أو يبقى الطغيان"
- قل من علمكم هذا المعنى
- علمني سيفك و جنودك
و قصورك و ظلام سجونك
أنّي لست بجاريةٍ تسعى
في قصر السلطانْ!
بل لست حصانًا أو أرنبْ
أرقص كي يفرح أو يغضبْ
بحظيرة مولاي السلطان
- فسأحرق سيفي و جنودي
و قصوري و ظلام سجوني
من علمكم هذا المعنى؟
- علمني الرحمن
ألاّ أسجد للطغيان
في التوراة و في الإنجيل و في القرآن..
فارتعد السلطان..
و اندحر الظلم بعينيهِ
و تكلَّمَ شعبي
يحفظ أشعاري عن غَيْبِ:
- " نبقى أو يبقى الطغيان"!!!