كان المخيم - مروة دياب

و نما على زندي المخيمُ
كيفما ينمو انتشاء الحلم فيهِ
و كيفما كبرت بعمق الجرح أغنيتي..
تُفَتِّشُ عن ملامحَ تحتويني بَعْدَهُ.
كُنا نجيء مع اقتسام الوردِ فلسفةَ الحكايا
و المساء و أضلع الوتر الشريدة مثلنا
و نروح مثلكَ في احتضار ظهيرة الوطن المُرَتَّقِ بالأكاذيب العتيقةِ
كي نعود مُحَمَّلينَ بموسم الوجع الوليدِ
نعانق الوهم الطريَّ
لتنتشي الأحلام في زبد الحقيقة وحدها
أو بين بيْنْ..
...
كان المخيمُ
و انكسارُ الحلم صورةَ عاشقينِ
و كنتُ وحدي..
الطائراتُ توزع القلقَ المُتاخِمَ للحدودِ
و للحياةِ..
و تنسج الذكرى لقلبهما
و صوتُ الموت يسخر من دمي
و النهر متسعٌ رواياتٍ أُخَرْ
و الحلم متسعٌ لألف قصيدة أخرى
و لكن ليس لي
...
وحدي أبي..
و الأرض تهدي للسماء ضفيرتي و الحبَّ
لكن.. ليس لي
فحملتُ جرحك في دمي
و هربتُ من موتي المُعَنْوَنِ بالحماقة و انفجار الطيشِ
من وطنٍ بلا ذكرى
إلى ذكرى بلا وطنٍ
بلا زمنٍ يخط ظلامَه.
و لأن لي وجهَ الطواحين القديمة
و الفيافى..
لعنةَ الوطن البعيدِ
لأنني بعض من المنفى
و لي المنفى
استضافتني عيون الآبقين من الخداعِ
و لعنةِ التاريخِ
فاجنح يا فؤادي..
أنت بعض مدافن الفكر الممزق و السكوت..
و أنا بكاء الحاجز المجروح مثلكَ.
لستَ أولَّ عائد بالخيبة العصماءِ
لكن أول القتلى
و آخر من يموت..
...
قيلولة الحلم استطالت يا أبي..
و قد اضمحلتْ خضرةُ الآتي
فأثمرَ هجرتَيْنِ و موطنًا.. لمخيمي
للجرحِ.. لكن ليس لي
و الموت أعرفه و يعرفني
و أسخر منه.. يسخر من دمي
وحدي التجأت إليه
أعطي كلَّهُ للراحلين لينثروه على ضفافِ المجدِ
و الصحراءِ، كي تخضر من وجع البلادِ
و لعنة المنفى
و أعطيهِ "أنا"
بل بعض بعضي..
لك أيها الموت المسافر فِيَّ عبري
لا تتركوا كلي إليهِ
فبعضنا ملك لأسوار المدينةِ
بعضنا ملك لوجه الأرضِ
صوتِ الحلمِ
للاشيء لكن..
ليس لي
أو ليس للموت الخصيبْ.
يا قبة الزيتونِ
يا وطن البعاد و موطن التشريدِ
لا..
سأموت دون دمي
و أترك نصفه للباحثين عن الملامحِ
و الهوية و الوطن..
و أموت دون دمي
و أترك نصفه الثاني لأمي
ثم أتركني..
و أترك لي مُخَبَّئَةً جراحي و اغترابي.
و المخيمُ..
حين يكبر فِيَّ.. أكبُرُ فيه
نكبر في دم الماضي سريعًا
عَلَّنا ..
...
سأموت قربي أيها الماضي
و حين أصيرُ "أنتَ" سأحمل التاريخَ
صوب مزابل التاريخ مثلكَ
مثلنا...
أو مثل ثلاجاتنا المعطوبةِ.
اسْترق الحنين الروحَ
يا وطني المعبدَ بالحنينِ..
أنا استعار الحلمِ
همهمة الندى للفجرِ
حين أموت دوني
لو عرفتُكَ قلتُ لا..
و لئن جهلتكَ ألف لا..
و لأنني لم أعرف اللاءات إلا في الأساطير القديمةِ
قلتُ لا.
و رأيتُني أهوي قبيل الحلمِ
ثم أعاود الذكرى
و أحتضن الشتاتَ فيحتويني
ثم لا
يا ريح لا..
يا قدس لا
يا أرض لا
يا عالمي المفتون بالأهوال لا
سأعيش دون دمي..
و أكتب للحياةِ..
الباحثين عن الهوية و الملامحِ..
هل سيمنحني المخيم من وريقات الشتات؟
قد لا يهمّْ..
مني سأقطع ألف ألف وريقةٍ..
لكن أيمهلني الممات؟
...
كان المخيم..
أطهر الأشياء في عمري
كان التماع الحق في وترٍ
و في حجرٍ..
و في تعويذةٍ خُطَّت على صخرٍ
و كانَ.. دواةَ حبرٍ من دمِ الماضي
و داءِ الحلمِ
زَفَّتْ ألفَ ألفِ قصيدةٍ
حبلى بأوجاع الكتابة و الوطن..
يا أطهر الأشياء في زمني
عشقتك مرتينْ..
و رميتُ غربتَكَ المنيعةَ باحتضاري
مرتينْ..
و إليك عدت أضج بالذكرى
و بالنَّفَسِ المدنسِ
باقتسام الخبز و الوطنِ
اقتسام الموتِ للتاريخِ
للاشيء لكن..
ليس لي!
________
22-6-2007م