أطابَ لذلكَ لرشإ الجفاءُ - مصطفى صادق الرافعي

أطابَ لذلكَ لرشإ الجفاءُ
فلذَّ لأعيني فيهِ البكاءُ

رشاً ذلَتْ لهُ الأسْدُ الضواري
وعزَّتْ في ملاحتهِ الظباءُ

تعلمَ كيفَ تنبعثُ المنايا
وكيفَ تراقُ ي الحبِّ الدماءُ

وعلمَ ناضريهِ الفتكَ حتى
كأن عليهما وقفَ القضاءُ

تلقتهُ الصبا سحراً فمرتْ
وفيها للمحبينَ الشفاءُ

لهُ مني التدللُ والرضاءُ
ولي منهُ التذللُ والإياءُ

فما ألقاهُ إلا في الأماني
وهل يشفي الجوى هذا اللقاءُ

إذا ما شاءَ ردَّ عليَّ نومي
ولكني أراهُ لا يشاءُ

غفتْ تلكَ المرابعُ والمغاني
وما عفتِ المودةُ والإخاءُ

وأصبحتِ الليالي حاسراتٍ
كما لطمتْ عوارضَها النساءُ

وفي قلبي من الهجرانِ سقمٌ
وفي كبدي من الأشواقِ داءُ

وليلٍ بتُّ أقضيهِ بكاءً
وأنجمهُ كآمالي بطاءُ

لو أن على الكواكبِ ما بنفسي
لألقتها إلى الأرضِ السماءُ

همومٌ تشفقُ الأطوادُ منها
وأحزانٌ يضيقُ بها القضاءُ

كأني ما لبستُ الصبحَ تاجاً
تألقُ فوقَ مفرقهِ ذُكاءُ

ولم انضِ الكؤوسَ محجلاتٍ
تخفُّ بها إلى الهم الطلاءُ

بروضٍ تصدحُ الآمالُ فيهِ
ويرقصُ بينَ أيدينا الهناءُ

وقد هبَّ النسيمُ على فؤادي
كنضوِ اليأسِ هبَ لهُ الرجاءُ

كأنَّ في المجرةِ فيهِ نهراً
تحومُ غليهِ أفئدةٌ ظماءُ

وقد أنسَ الحبيبُ ومرَّ يلهو
كما يلهو بمسرحِها الظباءُ

وضرجتِ المدامةُ وجنتيهِ
فكادَ الوردُ يفضحهُ الحياءُ

ومالَ فراحَ يرقصُ كلُّ غصنٍ
وللأغصانِ بالقدِّ اقتداءُ

زمانٌ كانَ مثلَ الصبحِ راحتْ
بهِ الدنيا وأعقبهُ المساءُ

كذاكَ الدهر حالٌ بعدَ حالٍ
لأهليهِ التنعمُ والشقاءُ

إذا سرَّتْكَ أيامٌ أساءتْ
فليتكَ لا تُسَرُّ ولا تُساءُ

وإن لم يبقَ في الدنيا حبيبٌ
فأولها وآخرها سواءُ