يا يَراعي لولا يدٌ لكَ عندي - مصطفى لطفي المنفلوطي

يا يَراعي لولا يدٌ لكَ عندي
عِفتُ نظمي في وَصفِكَ الأَشعارا

يا يراعَ الأديبِ لولاكَ ما أص
بَح حَظُّ الأَدِيب يَشكُو العِثَارا

غيرَ أني أحنو عليكَ وإن لَم
تَكُ عوناً في النائِبات وَجَارا

أنتَ نِعمَ المُعينُ في الدهر لولا
أَنَّ للدّهرِ هِمَّةً لا تُجارى

أنت نِعمَ الصديقُ في العيش لولا
أَنَّ للبؤس بَيننا أَو طَارا

فَلَكَ اللَهُ مِن شِهَابٍ إذا ما
أَظلمت ليلةُ الهمومِ أَنَارَا

يَتَمشَّى في الطِّرسِ مِشيةَ شيخ
مُطرِقِ الرأسِ يَجمُع الأَفكارا

أو حبيبٍ سرَى لوعدِ حبيبٍ
يَلبسُ الليلَ خِفَيةً وَحِذَارا

يتجلَّى في النقسِ شمسَ نهارٍ
في دُجى اللَّيلِ تبعثُ الأَنوارا

جمعَ اللَه فِيه بين نقيضَي
نِ فكانَ الظَلامُ مِنه نَهَارا

فَهوَ حِيناً نارٌ تلظَّى وحيناً
جنَّةُ الخُلدِ تنثر الأَزهارا

وتراهُ وَرقَاءَ تَندبُ شَجواً
وَتَراهُ رَقطاءَ تَنفُثُ نارا

وتَراهُ مُغَنِّياً إن شَدَا حَرَّ
م كَ بين الجَوانح الأَوتارا

وتراهُ مُصَوِّراً يرسمُ الحُس
نَ ويُغرى بِرَسمِه الأَبصارا

فَتخال القرطاسَ صفحةَ خدٍّ
وتخالُ المِدادَ فيه عِذارا

هو جسر تمشى القلوبُ عليه
لتلاقي بينَ القلوبِ قَرارا

صامتٌ تسمعُ العوالِمُ منه
أي صوتٍ يُناهِضُ الأقدارا

فهو كالكهرباءِ غامضةَ الكُن
هِ وتبدُو بين الورى آثارا

كم أثارَ اليراعُ خَطباً كَمِيناً
وأماتُ اليراعُ خَطبا مُثَاراً

قطراتٌ من بَينَ شِقَيهِ سالَت
فأسالت منَ الدما أنهارا

كان غُصناً فصارَ عُوداً ولكن
لم يزَل بعدُ يَحمُلِ الأَثمارا

كان يَستَمطِرُ السماءَ فحال ال
أَمرُ فاستمطرَ العقولَ الغِزَارا

يَسعَدُ الناس باليراعِ ويَلقى
ربُّه ذِلَّةً بهِ وصَغَارا

واشقاءَ الأَديبِ هل وَتَرَ الده
رَ فلا زَالَ طالباً مِنهُ ثَارا

أرفيقُ المحراثِ يحيا سعيداً
ورفيقُ اليراعِ يَقضى افتقارا

ما جنى ذلك الشقاء ولكن
قد أرادَ القضاءُ أمراً فَصَارا

ليس للنسر من جَناحٍ إذا لم
يجد النسرُ في الفضاءِ مطارا

حاسبُوه على الذكاءِ وقالوا
حسبه صِيتُه البعيدُ فَخارا

أَوهمُوهُ أن الذكاءَ ثراءٌ
فمضى يَسحبُ الذيولَ اغترارا

يحسبُ النقد للقصيدةِ نَقداً
ويرى البيتَ في القصيدةِ دَارا

ليس بِدعاً من هائمٍ في خيالٍ
أن يَرَى كلَّ أَصفرٍ دينارا

إن بينَ المدادِ والحظِّ عَهداً
وذماماً لا يلتوى وجوارا

فاللبيب اللبيبُ من ودَّع الطر
س وولى من اليراعِ فِرارا