مرثية... لأشياء لا تموت - عبد الله أبو شميس

كِـلا كفّيكَ مُطْفَـأَةُ البَنـانِ
فكيف تضيءُ في هذا الزّمـانِ؟

تكسَّرتِ السّـنون، وأنت تبني
حـروفاً لا يصلْـنَ إلى معـاني

على الأوراق عرشاً من صهيلٍ
وعشّـاً من هديلٍ في الأغـاني

هنـا زيتـونةٌ، وهنـاك طفلٌ
ومئـذنةٌ هنـاك، وعاشـقانِ

ونـائمة على يدهـا، فتـاةٌ
وتحلمُ: أيـن غـاب الفارسانِ؟

وحيـدٌ أنتَ، يا ابن أبي وأمّي،
وحيـدٌ مثل زهـرة بيلسـانِ

وحيـدٌ.. تقطع الدّنيـا وحيداً
وكلُّ اثنيْـنِ ضـدَّك توأمـانِ

تحاولُ أن تحاولَ... أيـن تمضي
وهذا البحـرُ ليس له موانـي؟!

تفـرُّ الأرضُ منكَ، ومن حَمامٍ
يضـيءُ بظلِّـهِ حقلَ الـزُّؤانِ

وتـرتفع السّماءُ على غمـامٍ
خفيـفٍ يسـتريحُ من المكـانِ

وتبقى أنتَ، فوق الموج، ظـلاًّ
يفتِّش عن يديْـنِ وعن كيـانِ

كيانُكَ أنتَ، يا ابن أبي وأمّي،
وهذا الكون مملكـة الدُّخـانِ!

***

أنا الأبديُّ... هل للأرض قلبٌ
فتـذكرَني بمنعطـف الثّـواني؟

قطعتُ لها بـلاداً من رمـاحٍ
أداوي عُنْفَـهـا بـالعُنفـوانِ

تحاربني الـمدائنُ، وَهْيَ غرقى،
فأحـملها إلـى بَـرّ الأمـانِ

وتطعنني السّـفائنُ حين تنجو
فأفرشُ تحتـها مـرجَ الجُمـانِ

أنا الذّهبيُّ يكرهـني رجـالٌ
وتعشـقني جفـونُ الأقحـوانِ

إذا وقعتْ على أرضٍ عيـوني
مرضتُ بعشقها مرضَ الغـواني

أحبُّ الحبَّ في خِصْبٍ ولـودٍ
وفي صحـراءَ تـحبلُ بالبيـانِ

خرجتُ من الكلام على غرامٍ
يُملِّكُنِي القـواصيَ والدّوانـي

فسمّيتُ الشَّـآمَ شمالَ روحي
وسـال بِيَ الـهوى للقيـروانِ

ولو أدري وراء البحر أرضـاً
لَخُضْتُ لها البحـارَ على حصاني

... أنا العربيُّ في زمن السَّبايـا
( غريبُ الوجه واليـد واللسانِ)

أرى حولي وجـوهاً في المرايـا
كثيـراتٍ تلوحُ... ولا أَرانـي!

أرى سقفاً على شجري، وسدّاً
على نَهَـري، وغَيْري في مكانِي

أرى وأرى... وأسمعُ حين أغفو
أخـاً ينعى، وآخـرَ قد رَثـاني!

فأُوغِلُ في رُؤاي... أرى سحاباً
على جيشـيْنِ لا يتحـاربـانِ!

ومئذنـةً تُـرَنِّحهـا فـؤوسٌ
بأيدي الجنـدِ تضحكُ للرِّهـانِ

رفعتُ يدي لأسندها.. فحطّتْ
عـلى كَفِّـي عصـافيرُ الأذانِ

____________

تمّوز 2004