أحمد أميــن - محمد بن علي السنوسي

ثمنُ المجد أن تعيش غريباً
فيلسوفاً أو شاعراً أو أديبا

تتحدى عواصف الفكر والرأي
وتلقى سلم النهى والخطوبا

كالشهاب الوضيء يجلو لك الجو
فيزداد شعلةً ولهيبا

في سماءٍ من الشعور وقلبٍ
نابضٍ يصرع الأسى والكروبا

لك روح فسيحة تَسَعُ الدنيا
إذا ضاق ساكنوها قلوبا

وفؤاد مضمخٌ بالأحاسيس
يُشيع السنا ويهدي الطيوبا

يستمد الحياة من أفقها السامي
ويستوعب الفضاء الرحيبا

رنّ في مسمعي نعيك والبرق
حزين الدجى يشق الجيوبا

فتوقفت أستشفُّ على البعد
فؤاداً ذوى طرياً خصيبا

وتصورت عبقرياً تردّى
من سماء العلى قوياً مهيبا

وتنورت كوكباً صدع الليلَ
سناه وخرّ يهوي مغيبا

يا (حياة) كانت على العلم أزكى
من حياة الربيع خصباً وطيبا

فجرت في مسارب الكون نبعاً
وهي تستقطر الحياة حبوبا

وأعلّت سلافة الروح روحاً
عصرتها الشجون كوباً فكوبا

(فجرها) و(الضحى) على الأفق العلميِّ
مجداً يخلّدان الغروبا

حملت من رسالة الفكر نوراً
ومضت تنشر اللواء القشيبا

وسرت كالشهاب ينصدع الليل
على جانبيه واهٍ كئيبا

تستثير الحقول من كل فن
من فنون النهى وتحيي الجديبا

دقة العالم الذي يزن اللفظ
ويستخلص النضار المشوبا

وخيال الأديب وهو شعور
جنحت روحه وهبت هبوبا

في فيوض من الخواطر تنساب
غزاراً وتستهل سكوبا

عبّ منها البيان كأساً هفا الشعر
مشوقاً إلى لمَاَها طروبا

رقة كالندى على طرر الروض
المطرّى مفوّفاً وخضيبا

وشذىً ألهم الهزار أغانيه
وروى ألحانه العندليبا

يا حياةً كانت على العلم أزكى
من حياة الربيع خصباً وطيبا

كلفت بالسمو واستخلصته
مثلاً عالياً وخلّاً حبيبا

تنشد الحق والجمال وتفني
في سبيليهما الصبا والمشيبا

أثرت في العقول واستنهضتها
وتعالت بها النفوس وُثوبا

بذرت غرسها وألقت جناها
ثمراً طيباً وغصناً رطيبا

أيها الباحث المجدد للشرق
تراثاً يحيي النهى والقلوبا

عجب هذه الحياة وسرٌّ
أعجز العلم كشفه والطبيبا

كم أجنّ الدجى شموساً سرى العقل
على ضوئها يشق الدروبا

ولكم حجّب الفناء نفوساً
أومضت كالسنا وشبت شبوبا

في رحاب الوجود تحتل ذكراك
مكاناً من الخلود رغيبا

عالياً عالياً تمر به الأيام
حسرى والدهر يمشي دبيبا