كوكب الشرق - محمد بن علي السنوسي

يا كوكبَ الشرق طال الليلُ بالساري
فقصِّريه بألحان وأوتارِ

وسلسلي فيه صوتاً ملء نبراته
صفو الندى والشذا والكوثر الجاري

ورددي في دجاه شدوَ ساجعةٍ
يذوب بين يديها .. كلُّ قيثارِ

مديه في الليل ينداح الصباح سنا
وفي الضحى يرتدي أثواب أقمارِ

فنانةَ الضاد كم للضاد من نغمٍ
على شفاهك منه ذوبُ مضمارِ

جَلَوْتهِ فجلوتِ الفنّ مرتفعاً
يموج بين أغاريدٍ وأشعارِ

صوتٌ إذا حركته في الدجى سحبت
أردانها الريح في غيناءَ معطارِ

يلقاك بالسحر في الألفاظ منطلقاً
وبالحنان المصفى والجوى الناري

وغُنَّةٍ ما وعتْ أذن ولا سمعت
بمثلها منذ أزمان وأدهارِ

كأنما في أغانيها وفي فمها
أنغامُ إسحاقَ أو ألحانُ موزارِ

تهزه فتهز الشرقَ أجمعه
قلباً بقلبٍ وأفكاراً بأفكارِ

يصغي إليها كما يُصغى الحبيب إلى
حبيبه في مناجاة وأسرارِ

إن قلتِ : يا ليل – مال من طرب
أو قلت يا عين لم تهدبْ بأشفارِ

تعلو به طبقات الجو صادحة
فينتشي كل نجم في الدجى سارِ

آناً تُضخِّمهُ .. آناً تُرقِّـقُهُ
فعلَ الهوى والتصابي بين سمَّارِ

كأنه في يديها غصنُ ناضرة
تسمو به ثم تدنو ذات منقارِ

كم بات يصغي إليها كل ذي كبد
حَرَّى اللواعجِ عن شوقٍ وتذكارِ

فراح يطفى صداه وهي صادحة
بصوتها العذب من سيل وأنهارِ

غنيتِ للشرق ألحان الخلود هوى
وللعروبة لحن المجد والغارِ

من كان يجهل شوقياً وقد صدحت
بشعره ؟ آبَ عنه كاتباً قاري

ولا يرى في غناها ذو الحجى حرجاً
وذو وقار ولا يزري به زار

قمريةَ النيل ما للنيل واجمة
ضفافه وأساه مائجٌ جارِ

غاضت بعينيه أنوار الهوى وذوتْ
بكفه خضرُ أوراق وأزهارِ

ولاح في صفحتيه ذعرُ ثاكلةٍ
وحيدها بعد سن يائس هارِ

ما كل طيرٍ هزاراً حين تسمعه
كلا ولا كل ذي ريش بطيَّارِ