الليل في الريف - محمد بن علي السنوسي

الليلُ في الريف غير الليل في المدنِ
فافتح ذراعيك للأريافِ واحتضنِ

واستقبلِ الليل فيها إنه ملك
ضافي الجناحين يغري العين بالوسنِ

كأنه فيلسوفٌ مطرقٌ عجباً
مما يرى في حياة الناس من درنِ

أو شاعرٌ عبقريُّ الفكرِ منغمرٌ
في لجة الوحي لا يدري عن الزمنِ

أو خاطرٌ في ضميرٍ بات منفصلاً
بطهره ومزاياه عن ا لإحنِ

أو عاشقٌ غارقٌ في حبِّ فاتنةٍ
فليس يعنيه شيء كان أو يكنِ

صمتٌ يُحلق بالأرواح في أفقٍ
من السكون ثريٍّ بالجمال غنى

يضفي الهدوء عليه من نعومته
صفو يضيء به الإحساس في البدنِ

وتلتقي في معانيه وصورته
روح السماء وجسم الأرض في قرنِ

الليل في الريف ليلٌ في معاطفه
وملءُ أردانه روحُ الهوى اللَّدِنِ

هنا غلالته الزرقاء زاهية
(كطرحة) فوق وجه فاتن حسنِ

والليل في الريف وجه في شمائله
سمْتُ التقىِّ النقيِّ الخاشِعِ الفطنِ

هنا السماء تراءى من جوانبه
نقية من دخان الغاز والعفنِ

يمتد فوق تجاعيد وأفئدةٍ
فطرية العيش والعادات والسننِ

قلوبهم وأمانيهم ونظرتهم
صوفيةُ الروح من صوف الثرى الخشنِ

الشاكرينَ إذا مس الحياة ندى
والصابرينَ على الآلام والحزنِ

هنا السماء لها لحن يرجِّعه
عزف النسائم في الآكام والقٌنَنِ

من كل عاطرة ريّا مضمخة
بالمسك ينداح من زهر ومن فننِ

والليل في الريف ليلُ العاشقين وقد
نام الوجود وهام القلب بالشجنِ

يا ليل الهوى والجوى والحب منطلقاً
ملء الربا والصبا واللحظ والأذنِ