عودة إلى الطبيعة - محمد بن علي السنوسي

قريتي قريتي الوديعةُ يا عشّ
فؤادي ويا مقرّ جناحي

طبعَ الله حبك العذب في قلبي
ولم يمحهِ سوى الله ماحي

يا ربىً لج بي هواها فما ينفكّ
نشوان من هوىً ملحاحِ

كم ترشّفت من جمال لياليك
فتوناً من الصبا والمراحِ

وتنشّقت من جلال مجاليك
فتوناً من الشذى الفواحِ

في الدجى والنجوم تغزلُ أحلام
العذارى على صدور البطاحِ

والضحى والغيوم ترسم في الوادي
ظلالاً نديةَ الأدواحِ

والنسيم النشوانُ يحتضن الزهرَ
رقيقاً كطيبةِ الفلاحِ

الذي قلبه أرقُّ من الطلِّ
وأصفى من الزلال القراحِ

والذي يزرع الحقول بذوراً
وزهوراً بهمة وكفاحِ

والذي يملأ القلوب شعوراً
بجمال الطبيعة الممراحِ

والذي يغرس النواة بكفٍّ
طبعت من بسالة وسماحِ

والذي إن أضافَ أخجلَ حتى
يحسب الضيف أنه غير صاحِ

والذي إن أخاف أَوْجلَ حتى
لتراه كالمارد السفاحِ

قريتي قريتي الوديعة يا عش
فؤادي ويا مقر جناحي

كلما ضمني دجاكِ ورقّتْ
نفحاتُ الصبا على الأدواحِ

وانتشى الكون بالعبير وراح السيلُ
يختال في السهول الفساحِ

يغمر الأرض بالنعيم غزيراً
ويهز القلوب بالأفراحِ

نَعِمَتْ روحيَ الكئيبة بالصفو
وصحّت من الأسى والجراحِ

ربَّ كوخٍ يضمّ زوجين كالطفلين
طُهراً ورقةً كالأقداحِ

يملآن الحياة شدواً ويختالانِ
زهواً في غبطةٍ وارتياحِ

ويعيشان في هدوءٍ بريءٍ
من فُضولِ الغنى وكدّ الشّحاحِ

نَعِما بالحياة في ظلِّ عيشٍ
أخضرٍ من قناعةٍ وانشراحِ

فيلسوفان ينظران إلى الدنيا
كما تنظر الذرى للرياحِ

يتمنى عيشيهما صاحبُ القصر
المعلى وذو الظُّبى والرماحِ