عصفور شبابي - محمد بن علي السنوسي

جلَّلَ الشيب عذاري
ومحا الليل نهاري

وذوتْ نضرة روحي
وخبتْ جذوة ناري

وتهاوتْ زهراتُ الورد
مني والعرارِ

وانطوتُ نشوة نفسي
وأغرايدُ هزاري

أسودي أصبح مبيضاً
وطرفي في انحسارِ

وجداري بات منقضّاً
وجهري كسِراري

ونسيمي غير رفافِ
ومائي غير جارِ

ومضى عمري أباديدَ
نثاراً في نثارِ

من رأى غصناً بلا ماءٍ
نديٍّ الاخضرارِ

من رأي بدراً طوى الآفاق
من غير سرارِ

يصعد الإنسان في العمر
ليهوي في انحدارِ

طار عصفور شبابي
من يدي رغم حذاري

وتوارى خلف أيامٍ
طوالٍ وقصارِ

ونأى عني بعيداً
وبعيداً في الصحاري

ياشباباً ضاع كالأمطار
في عرض القفارِ

كيف ولَّى ولماذا
وإلى أي ديارِ ؟

ومتى طار فإني
لست والله بدارِ؟

كنت ألهو ويجدّ الدهر
في قطف ثماري

يأخذ اللؤلؤ من كفي
ويسخو بالمحارِ

كنت مسحوراً ومأسوراً
بتغريد القماري

أحسب الأيام لا تملك
تمزيق إطاري

وأظن الدهر لا يقوى
على لفح شراري

سادراً في ضجة الموج
وتيار البحارِ

يا شبابي آه لو عدت
ولو بعض نهارِ

لم أكن أعرف مقدارك
في فجر اغتراري

سوف أفديك إذا عدت
بماسي ونضاري

وأحليك بعقيان
الأماسي والعصاري

وأناغيك بألفاظ
كألحان الكنارِ

وأراعيك بألحاظ
كوطفاء السواري

وأصوغ الأنجم الزهر
سواراً والدراري

واضعاً كفك في كفي
بعزم واقتدارِ

شاعراً أنك كنز
في يميني ويساري

يا شبابي آه من نار
حنيني وادكاري