إفاقــة - محمد بن علي السنوسي

سرابٌ وإلا كيف لا ينقع الصدى
شرابٌ أضعت العمر في رشفهِ سُدى

ووهمٌ وإلا كيف يخدعني السنا
فأرنو ولا نار هناك ولا هدى

وزيفٌ وإلا كيف تطربني المنى
فأصغي ولا لحن هناك ولا صدى

أفقتُ وأدركت الحقيقة بعدما
وهَى جَلَدي – وآحرستي – وتبددا

وما نفع إدراكي الحقيقةَ بعدما
وصلت إليها لا فؤاداً ولا يدا

تلمّستها والعود غضٌّ ولِمّتى
ترفّ فأعياني هواها وأجهدا

وعشت لها حبي الكبير وصبوتي
وقلبي وألحاني طروباً مغردا

وأعطيتها أغلى مناي ومهجتي
وأهرقت فيها ريِّقَ العمر والندى

فلما ذوى عودي وغاضت مناهلي
وأصبح روضي سبسب الحقل أجردا

تراءت لعينيَّ الحقيقةُ جهرةً
وضمّت يدي منها عناناً ومِقْودا

وشفّ من الأجواء ما كان غائماً
وقرّ من التيار ما كان مزبدا

وعُدت إلى نفسي جديداً كأنما
ولدتُ وما أحلاه عَوداً ومولدا

وراجعت ماضيّ الغرير وحاضري
وجرّدت من نفسي لنفسي مفندا

وقلت لأوهامي رويداً فلم يعدْ
سرابك يغريني وإن رقّ موردا

كأن على الإنسان ضربة لازبٍ
عبور الطريق الوعر مهما تزودا

يسير على أرض مشى في شعابها
أبوه ويعدو في الطريق الذي عدا

يرافقه وهْمُ الحياة وزيفها
يؤملُ إن أمسى ويرجو إذا غدا

غريراً تمنيه الأماني فينتشي
ويلهو فما ينفك غرّاً معربدا

إذا ما مضت من يومه ساعةٌ هفا
إلى غيرها مستعجلاً يطلب الغدا

دواليكَ والأيام تجري وتنقضي
سراعاً ولم يبلغ مراداً ولا مدى

فمن لي بتلقيني الحقيقة جرعة
مروقة لا أشتكي بعدها صدى