ساعة في الريــف - محمد بن علي السنوسي

ساعةً في الريف في حضن السهولِ
والرمال السمر والأفق الكحيلِ

والفضاءُ الرحب مبسوطُ المدى
والهواء الطلق رفافُ الذيولِ

بين أرض وسماء وربىً
وزهورٍ وغديرٍ وخميلِ

حيث لا سورٌ ولا دورٌ ولا
حائطٌ يمنع سيري في سبيلِ

تلك دنيا سُرَّحٌ آفاقها
حرة من كل قيد وكبولِ

أنا أشتاق إليها كلما
سئمت نفسي أحاديثَ الفضولِ

طبعت في النفس منها صورة
حية تملأ قلبي وميولي

كيف أسلوها وما زال بفي
طعمها الحلو شفاء لغليلي

ساعة في الريف في ظل الرُّبى
بلسم الهم وترياق العليلِ

وانطلاق شاعري خالص
للنهى والفكر من قالٍ وقيلِ

حيث نور الشمس في آصالها
كسنا القبلة في الخد الأسيلِ

والسنى الشفاف في أجوائها
لوحة كبرى من الفن الأصيلِ

والثرى النائم في أحضانها
يوقظ القلب ويوحي للعقولِ

والصبا النشوان في أفيائها
لاهياً يمرح كالطفل الجميلِ

تلك دنيا أنا منها نفحةٌ
وشعاعٌ هائمٌ بين الحقولِ

يا رُبى الوادي ويا كثبانه
رددي صوتي وغني بهديلي

وامنحيني ساعة هادئة
من حياة الروح والصمت الجليلِ

واغسلي قلبي بفيض غامرٍ
هامرٍ من كل ينبوع ونيلِ

إن في صمتك معنى رائعاً
من تهاويمي وبحران ذهولي

أي سحر فيك جذاب الرؤى
عبقري الفن روحي الأصولِ

شاع في أسرار قلبي وجرى
يغمر النفس بفيض سلسبيلِ

يا رُبى الوادي ويا كثبانه
غابت الشمس وقد آن قفولي

أنا أودعتك سري واثقاً
أنني أودعت خلي وزميلي

لا تقولي شاعرلم يحتمل
وحشة الليل وظلماء الأُفولِ

فر من دنياي لما أظلمت
ناسياً نهري وزهري وأصيلي

أنا أحيا فيك طيفاً وشذى
وندى في ظل واديك الظليلِ