عبسَ الرَّغيفُ - محمد عريقات

عبسَ الرَّغيفُ
كأنني حَجَرُ الرَّحى
وأنا ابتسَمتُ
كأنـَّهُ وَضَحُ الضّحى
هل يصدُقُ الإحساسُ أنـَّكَ
لستَ أجملَ من خيالِكَ
حينَ تـُبغِضُكَ الطبيعة ُوالأنوثة ُ
حين يرفضك العريّ
وحينَ تسأمُكَ الثيابُ ؟
هل كنتَ يا وجهي كثيفَ الشؤمِ
في عينِ الصّبيةِ
ليلة ارتـَعَشتْ يداها
تحجبانكَ عن رؤاها ؟
قالَ قمْ وَسَلِ المرايا
قـِفْ طـَويلاً كي أراني
كي تراني ربّما حَجَراً ترى
ولربّما قـَمَراً قبيحاً أو رغيفاً يابِساً
عبثتْ بهِ الفِئرانُ بعدَ الأصدقاءِ
لقد تركتَ البابَ مفتوحاً لأعيـُنِهم لألسُنِهم
وكانَ الكلبُ قِفلَ البابِ يحرُسُ سارقي منّي !
ستصدِقكَ المرايا قُمْ إليها
قبلَ ما يأتي الضـَّبابُ
.
عَبَسَ الرَّغيفُ
كأنني حصّادهُ مذ كانَ سُنبُلة
ولم أكُ غيرَ تربَتِهِ التي
صَقَلتْ شحوبَ الصّخرِ
في حقلِ الغريبِ ،
أنا الغريبُ أمامَ وجهكَ
حينَ تنكَمِشُ الملامِحُ ،
حينَ ترفـُض أن تسُدَّ الجوع
تأكُلني الغرائِزُ ،
يمتطي الشـَّبقُ الحصانَ إلى اليبابِ
أجوعُ أكثرَ ،
رحتُ أقطعـُهُ فخِفتُ العكس
خفتُ وخفتُ من مرَضٍ بجسمٍ لا يموتُ ،
تهيئي بالسّرِّ وانتصبي
سئمتُ برودة الأحياءِ والجمرَ
المقنـّعُ بالجليدِ
.
تمنـّعي ليذوبَ ملحُ الزاهِدين
تقشـَّفي من خوفكِ الموروث
من خطأ الصوابِ
ذكرتُ اسمكِ
فانتبذتُ الله في أفواهِ من عبدوهُ .
هبطَ الظلامُ
على امتزاجِ البردِ مع دفىء اليدينِ
على اليدينِ نـَسيتُ أنّ البردَ
قلـَّصَ موعدي !
ورَمى عن الجَسَدِ المـُشفـّى
فرْوَ ملمَسِها
ولم يَزلِ الحصانُ رهينَ طيشِ جموحِهِ
قالت لكَ الدّنيا حَببتـُكَ عاشِقاً ،
دعني أعِش في جوقةِ الماضي
ودع بهـْوَ الفضاء لمن تكونَ
أخفّ منـّي
لم يكنْ حباً كحبـّكَ إنّما
زغَبٌ خفيفٌ فوقَ قلبي ،
غيرَ أنّي قد أتيتُ أقلّ إحباطاً
من الآتي الذي رَسَمتـْهُ عنقاءُ السعادةِ
فوقَ ما تركتهُ ناركَ من رمادٍ داكِنٍ
في أعيـُني
لكَمِ انتظرنا ساعَة
يلجُ المسيحُ بها الصليبِ
فنحتـَفي بالمائِدة ،
لكَمِ انتظرنا عالماً بحَثوهُ قبلَ ولادَتي
بـِسِنيِّ عمري الآنَ أضعافاً لِكي
يهبوهُ في شـَفـَقِ المراهقةِ الشفيفةِ لي
ولكي تجيءَ لنا بواخِرهُم بأشرعةٍ
يمزّقها الوباءُ !
ــ تعلـّمي نسجَ الروايةِ من فراغِكِ ــ
قالها صمتي ،
أتعلمُ : حينَ تعرفني ستبعِدكَ
الحقيقة عن يديَّ فكن غبيّاً أو تغابى
كي يظلَّ اللوز أخضَرَ في يديكَ
أخافُ من فجرٍ يجيءُ
من الرياحِ تقود مركبكَ الخفيفَ
لشاطىءٍ يوحي بخاتمةِ القصيدةِ ،
حينَ تعرفني سيبتسمُ الوشاة لأنهم
دفنوا السحابة في شقوقِ
الأرضِ قسراً ،
لا تدعْ عسَسَ الفضول يقضُّ
نومكَ فالفضوليونَ ماتوا
إثرَ وخزِ المعرفة !
.
عبسَ الرّغيفُ
لأنهُ ألِفَ الحياة رهينَ جوعِ الآدميّ
وسادة ُ الفقراء قبعة ٌ لكل الناسِ يا أمّي ،
وهاأنا ذا بحضنكِ أستميح العطف لمستهُ
وهدهدتي كلامُ الله يا أمّي ،
وغيري من تربّعَ في المحارَةِِ
يستبيحُ النهدَ حرمتهُ لتأكلَ لحمَ وجهي الطيرُ
يا أمّي وغيري من لهُ عِنَبي نبيذ ،
يوسُفٌ لا خيرَ فيهِ لربِّهِ
إن أنكرَ الرؤيا وأسرَجَ للإيابِ
على حِصانٍ أهوجٍ مثلي ،
فلو قد كانَ جرحكِ قدرَ عطفكِ ما بكيتُ
وما انتبهتُ ،
أنا الذي لو كانَ نهدُكِ فوقَ ثغري
ما سكرتُ وما عرفتُ الليلَ يا أمّي
وغيري من ترفعَ عن لجينٍ وانحنيتُ
إلى الهشيمٍ الهشِّ آهٍ وانحنيتُ ،
البرتقالة لي ولكنْ
خلفَ قشْرتِها حدودي كم ظمئتُ
ولم يرقّ الحقلُ يا أمّي اشتهيتُ
ملابسي بالصّيفِ واللحمَ المكشفَ والغزالة َ
والهُوينى جعـّتي والتبغُ في الشرفاتِ
يا أمّي اشتهيتُ وما اشتهيتُ
لآخري غيري ،
وغيري من تعودُ لهُ الحمامة
تخطف الدفلى إليهِ عن الجبينِ لكي
يجيء من القفارِ وكي
يشاركني يديها والرّغيفَ ،
حبيبتي روحٌ ملوّنة
تلوّنُ أبيضي ورمادَ غيري بابتِسامَتِها ،
تريدُ من الحياةِ حياتها
وتريدُ طفلاً دونما أبَتٍ
يلاطِفُ مع هدوءِ الليلِ ليلكـَها اللعوب
ــ كأنّ مريَمَ لم تزّرْني ــ
لم تهزّ الجذعَ آهٍ فانحَنى وأنا انتهيتُ
.
عَبَسَ الرّغيفُ
لأنني أدري ويدري أنَّ سرَّ الليلِ شمسٌ
في سماءٍ لونُ زرقتِها شفيفُ
عَبَسَ الرّغيفُ
لأنَ لوني أخضر كصباهُ دوماٌ
غيرَ أنَّ جبينـَهُ أبَداً خريفُ
عَبَسَ الرّغيفُ
وقد ضحِكتُ
فحكَّ لي جرحاً وغنّـى للبعادِ
ولم يكنْ بالقلبِ متـّسعٌ لقلبي فامتـقعتُ
ودندنَ الليلُ اللعينُ خطاهُ في بهوِ الأزقةِ
فاحترقتُ
أنا الذي إن غابَ شابَ
وإن أتى عَبَسَ الرّغيفُ .