بكائية على بحر القلزم - سيد أحمد الحردلو

-1-
أغني لتلك السواحلِ
يمضغها الرملُ ،
يأكلها وجع’’ من بطونِ التواريخِ ،
اتكأتْ عند خطِ التماسِ السماواتِ بالبحرِ ،
تغزلُ من موجهِ خيمةً
يستريح بها القهرُ والصبرُ والانتظارْ.
أغنّي وصوتي مئذنة’’ حملتها الرّياحُ ..
تُزفزفُ من آخرِ الزمنِ الآسيويِّ –
فريح’’ تُدحرجها للوراءِ
وأُخرى تلوذ بها للأمامِ – الذي
يتحصنُ بين الشذى والبهارْ .
-2-
أغني لرملِ السواحلِ
احتشدتْ فيه أشباحُ عشاقِ عصرٍ
من النورِ كانَ ،
وإنّ عصورا من النورِ سوف
تجيىءُ .. مع النورسِ القُلْزُميِّ ..
ومن كلِّ صوبٍ وحدبٍ
مع الخيلِ والليلِ .. والفرحِ المستجيشْ .
أغني لرملِ السواحلِ
والصوتُ يَعلو .. ويَسمو
وينثالُ فوق القراميدِ ،
يُدلج في البحرِ
يضربُ في البِّر ...
حتى إذا أدركته المرافىءُ
حطَّ لكي يستريحْ .
-3-
يساورني –
حين ألقاكَ نهباً مباحاً لكلِّ قراصنةِ البحرِ...
كلِّ لصوصِ أُوربا ..
وكلِّ نفاياتِ آسيا – بكاءْ .
فأمتشقُ السيفَ والنصلَ
أغزوكَ ،
أغزو المروءةَ فيكَ
وأغزو البطولةَ فيكَ
وأنتهرُ الخيلَ كي تستفيقَ ..
وأنتهرُ العربَ القدماءْ .
وأخرجُ فيكَ بجيشيَ..
لا تغربُ الشمسُ فوق مضاربه ،
جندُه باع دنياهُ
واقتحم الموتَ ..
متظراً في الحدودِ الإشارةَ
حشداً من الشهداءْ .
فقُمْ .. أيها البحرُ ..
قُمْ واغتسلْ وتوضأ واقرأ ،
لنعطي الاشارةَ
للواقفين صفوفاً .. كُتوفاً
من البابِ للبابِ ..
بالسيفِ والنصلِ والكبرياءْ .
-4-
فها هي ذي السُفنُ العربيةُ
تنشرُ فوق البحارِ القُلوعَ ...
تعود محملةً بالتوابلِ والعاجِ والعطرِ والآبنوسِ
من الهنِد والبونِت ،
طالعةً في أعالي البحارِ
وهابطةً في المرافىءِ بالفوز والربحِ .. والانتصارْ .
وهاهُم على ساحليْكَ يعودون
رُوماً .. وفُرساً..
بطالمةً .. ويهودْ..
وها هو أبرهةُ الحبشيُّ يحصر مكةَ بالمنجنيقِ..
وبغدادُ – حاضرةُ الشرقِ – مذبوحةُُ للوريدْ..
وهاهي كلُّ مداخلك الآنّ مسدودة’’ بالمغولِ
وكلُّ مخارجك الآنّ محروسة’’ بالتتارْ .
فقُمْ .. أيها البحرُ..
قُمْ واغتسلْ وتوضأ واقرأ ،
لنعطي الاشارةَ ..
نعطي البشارةَ
للواقفين صُفوفاً .. كُتوفاً
من البابِ للبابِ ..
يمضُغهم وجعُ الانتظارْ.
-5-
أغني لرمل السواحلِ ،
يا أيُّها الوجعُ المستبد بنا .
أيُّها المستبيحُ مراقدَنا
مثلما تفعل النارُ في الأرضِ
حين تمورُ ،
كما الشوقُ في القلبِ حين يروادنا العشقُ
أو نتداركه في خريفِ الزمانْ.
أما حان أنْ يطلع البدرُ فينا
فنلقاهُ عند الثنياتِ ..
بالدُّفِّ والكفِّ .. والمهرجانْ..
نشيلُ البيارقَ –
تِلوَ السيوفِ-
وفوق الكتوفِ ،
ندوسُ بها فوق جيشِ المغولِ
الذي استراح..
وقد استباح رمالَ السواحلِ ،
يمضُغها وجع’’ يستبد بنا
كلَّ آونةٍ من أوانْ .
-6-
أغني لرملِ السواحلِ .
صوتي مشتعل’’ كصهيلِ جوادٍ من الحُلمِ ،
من أولِ الزمنِ العربيِّ الخرافِّي
من آخرِ الزمنِ العربيِّ الخرافِّي ،
من كلِّ نجدٍ من الزمنِ
القُرشِّي اللسانْ .
أغني لرمل السواحلِ
متكئاً فوق سَجادِه العربيّ
أشاهدُ وجهَ عليّ
وخالدَ بن الوليدِ
وطارقَ بن زيادَ
وأيوبَ مصرَ ..
وعنترةَ العَبَسيّ.
أشاهدُ جيشيَ لا تغربُ الشمسُ فوق مضاربه ،
فَيْلق’’ في الخليجْ
فَيْلَق’’ في المحيطْ
فَيْلَق’’ في البحارْ
فَيْلَق’’ في الديارْ ،
فأمتشقُ السيفَ يقطُر من دمه الأجنبيّ .
وأعبُر بابَ الجزيرةِ ..
والكونُ تحت سنابكِ حيليَ .. وبين يديّ .
-7-
أغني لرمِل السواحلِ ما شهدته السواحلُ
ما وشوش الموجُ
ما فعل الفوجُ .. بالأوّلينْ
فينفلقُ البحرُ ..
إنبهل الطودُ .. وانسدل الموجُ
وارتحل البحرُ .. بالآخَرِينْ ،
-8-
أغني لتلك السواحلِ
يمضُغها الرملُ ..
يأكلها وجع’’ من بطونِ التواريخِ ،
إتكأتْ عند خطِ التماسِ السماواتِ بالبحرِ ،
تغزلُ من موجه خيمةً
يستريحُ بها القهرُ والصبرُ والانتظارْ
تونس – مارس -1982