المسرجاتُ تنوحُ - مصطفى سند

المسرجاتُ تنوحُ من تعبٍ
ويشربُ زيتَها الليلُ المعلّقُ في مطارات السهر
المسرجات الخضرُ نازفةٌ
كأنّ الارض تنتظرُ الزلازل
والرّياح تمتدُّ أدرعَها وتعتصر القمرْ
المسرجاتُ.. مشارقُ الارض القديمة في مغاربها
وإرثُ النيلِ.. من زمن العناصر
تستحلُّ الرمل، تسكنُ في مواجعه وتنتظرُ المطر
وضع الغزاةُ عليه ميسم حقدهم
وتراكبوا كُتلاً
يمدون العيون إلى منابعه النَّبيلة
يزحفون من الشّمال إلى الجنوب
يمزقون هوى البراعم، ينقشون على الحجر
اشعار هولاكو، وعزرا باوند الفاشيِّ
يبتكرون سرَّ العمق في لغة الثقافة
منهج الموتى، واوراق البصائر، وانفعالات النفُّوس
جاء الغزاة الفاتحون
قرينهم في الغزو كان الكركدن
يعوم في بطر النعومة
من حرير العشب والازهار
للشفق المعلق في جسور الغيم
يفترع الشموس
المسرجات اقامها الفقراء
تلقفُ سوء مايلقون
تنهض في مدارعها سيوف الحنطة السمراء
والرّاياتُ والجببُ القديمةُ والبنادقُ والفئوس
وقف الغزاة على توابيت المكوك يسائلون الرَّمل
ان تتكلم الارماسُ
أن يتوهَّج التبر المخدّدُ في عروق الصخر
أن تلد الغيوم
أطياف أرتال الضواري في سدود النَّهر والأُشنات
إن الارض تبتلعُ المياه وإنَّ أوصال النُّجوم
يختارُها الحرَّاسُ للذكرى.. ممزقة
وأوصال الكتابة عن رؤى التاريخ
ينقُشُها الشيوخُ على الصدور..
تؤولُ من رئة إلى رئةٍ ويكشفُها الزَّمان
المسرجات منازلٌ في الرّيح
تنتظرُ الحلولُ.. يسوقُها أبدٌ ويوقفها رهان
المسرجاتُ منازلُ الظّل القديم
قصائدُ المشاج والاسرار
بين علائق الارث الكريم
يمجُّ حسوتها الرّشا ويُسيغُها الحذرُ المهان
المسرجاتُ مسيرُ الفكر الجديد
من الزّمان إلى المكان
وقف الرّجالُ على شفا النيران
في عرصاتها الحمراء
يستلمون اردية الدُّخان
ويُردّدون...
الموتُ أولى بالذين يسافرون مع البراءة
في دم الذكرى وأطياف القصائد
والتواشيح الحزينة والغناء المستهام
يا أيُّها الأخيارُ..
كم في الهول والاصرار تحترقون..
والزّمنُ المعلّقُ فوق اعيننا يُطارحُنا الكلام..
والمنطق الموروث.. من سَنَةِ المجاعة والمواقيت الحرام
يا أيُّها الأخيارُ...
نحن على المواقف مات أوّلنا
ومازلنا هنا نبكي..
ولا نجدُ الوصية بين اوراق الرّخام..
الباحثون تلفعوا بالخوف
والاسرار غامضةٌ
وكل سقيفة كانت لنا، دار الزمان فأصبحت للريح
والرمل الكثيف وهمهمات العارفين..
والسائحون علي الشواطئ يفتلون الصمت والكذب الجديد
يقايضون روائع الاشعار بالصور القبيحة
والعطور الزائفات وذكريات الراحلين
حتى إذا نفر الصباحُ من الخطوطِ الكالحاتِ
ترنّحَ الحلفاءُ مرتعدين
وارتفعت صخورُ النّهرِ حتي حازت الأفقَ البعيدَ
فهبَّت الأشياءُ تركضُ
في الشُّعاعات الأخيرةِ
من نهايات السنين إلى بدايات السنين
الأنَ يعرفُ كلُّ منتصرٍ بأنَ النصر مسرجةٌ
وأنَّ الأرض ميراثٌ تحدّد للعباد الصالحين...
المسرجات تعود
يُشعلُ زيتها الأغيارُ
من قمر السقيفة تِهطلُ الأنوار
يبتدئُ المسير..
يا أيها المجبولُ من ورد النّهار
عرفت أنَ المجدّ للشُهداء والشُّعراء
واللغة الجديدة والمواقف والحضور
يا أيُّها السَّاعي بريح الرَّمل حين وقفت
تنفض عن كواهلك الصّدى المحروق
أين تركتنا وصعدت نحو الشّمس
تمتشقُ الجسارة والتوهُّج
في مدارات العصورْ.....؟
«2»
طالعٌ في النيل
مغسولٌ بماء الشمس
أرفع للجموع قصيدتي وأقولُ
إنيّ جئتُ من مشلوخة الخدّين
كان أبي نشيد الحُبِّ في شفة العذوبة
يا صباح المجد علّق نخلتين من الجريد المستهام
وقل لمن يدعوك إن عديلة الاحرار كانت من دم الشهداء
أغنية الزمان
وُلد الهُدى...
وولدت يا وطناً بطعم الجرح
في وتر الهوى
يا عزُّ إنّي في هواك مُمزّقُ المعنى
ومبتورُ اللسان
كيف الوصولُ إلى ديارك والدّخيلُ الافعوان
يتوسّدُ المرقى
ويتّخذ المجرَّة سُلُّماً ويمدُّ أعمدة الهوان..؟
للطالعين إليك احساس الهوى
إنَّ الهوى قاس..
ونحن السائرين من الجزيرة والشمال المستفيق
علي البراءة والجنوب البكر، والبحر المُدمِّي
والرمال الصاعدات تُسبح المولي
لتعلن: ان في الموت الحياة
فتشرق الدنيا وتشتعل اليدان
بقداسة العلم المفدي.. ولجمال الحق.. والذكر اليقين
ومسرجات النُّور واللالوب.. والقيم النبيلة
والفصاحة والبيان
يا عزُّ إنّا في هواك جبالُ هذا الكون..
نرفع للذين يصادقون الحُبَّ
نشهرُ للذين يُخاصمون الموت
ترسلُ نبلنا لصدورهم..
والشمسُ شاهدةٌ تُؤكِّدُ أنَّ مُرتهن الرهان
هُم هؤلاء
الطالعون عشية الميلاد
من كلِّ المحارق، والحقول الخُضر والمحن الرهيبة
والحرائق والدُّخان
يزهون في الدَّمور..
يستلمون شارات الهدى
يا عز ان مشيئة الاحرار ليس يعوقها بشر
وهذا الدهرُ يشهدُ
والتواريخُ المضيئةُ
والحوادثُ والزمان
إنا بنوك الناصروك من المكاره والهوان
والنيلُ كان أباً لكلِّ مناضلٍ
ياعزُّ
كانت مسرجاتُ النور تشهقُ
والمناسيبُ السخيَّةُ تغمرُ الدنيا
وتنطلق الوجوهُ السمرُ ترفع راية الإيمان
ثمّ يُهوّم المعنى
وتنعتقُ النفوسُ الخَضرُ خاشعةً
وينهمرُ الاذان .