قد سَار بي هذا الزّمانُ فأوجَفَا - ابن هانئ الأندلسي

قد سَار بي هذا الزّمانُ فأوجَفَا
و محا مشيي من شبابي أحرفا

إلاّ أكُنْ بَلَغَتْ بيَ السّنُّ المَدى
فلقد بلغتُ من الطّريقِ المنصفا

فأمّا وقد لاحَ الصّباحُ بلمَّتي
وانجابَ ليلُ عَمايَتي وتكشَّفا

فلئنْ لهَوْت لألهُونَّ تصنُّعاً
ولئن صَبَوْتُ لأصْبُوَنَّ تكلُّفا

ولئن ذكرْتُ الغانياتِ فخَطرة ٌ
تعتادُ صبّاً بالحسانِ مكلَّفا

فلقد هززتُ غصونها بثمارها
وهَصَرْتُهُنّ مهَفْهَفاً فمهفهفا

والبان في الكُثبانِ طَوْعُ يدي إذا
أومأتُ إيماءً إليْهِ تعطَّفَا

ولقد هززتث الكأسَ في يدِ مثلها
وصحوتُ عمّا رقّ منها أو صفا

فرددتها من راحتيهِ مزّة ً
و شربتها من مقلتيهِ قرقفا

ما كان أفتكني لو اخترطتْ يدي
من ناظِرَيْكِ على رقيبِكِ مرْهَفا

و خدورِ مثكِ قد طرقتُ لقومها
متعرَّضاً ولأرضها متعسِّفا

بأقَبَّ لا يَدَعُ الصّهيلَ إلى القَنا
حتى يلوكَ خِطامَها المتقصِّفا

يسري فأحسبُ عناني قائفاً
متفرِّساً أو زاجِراً متعيِّفا

يرمي الأنيسَ بعسمعيْ وحشيّة ٍ
قد أوجسا من نبأة ٍ فتشوَّفا

فتقدَّما وتنصّبا وتذلّقا
وتلطّفَا وتشرّفَا وتحرّفَا

و تكنّفاني ينفصانِ ليَ الدّجى
فإذا أمنت ترصّدُا فتخوّفا

فكأنّما وقع الصّريخُ إليهِما
بحصارِ أنطاكيّة ٍ فاسترجفا

ثغرٌ أضاعَ حريمهُ أربابهُ
حتى أهينَ عزيزهُ واستضعفا

يصلُ الرّنينَ إلى الرّنينِ لحادثٍ
يربدُّ منه البدرُ حتى يُكسَفا

ما لي رأيتُ الدِّينَ قَلّ نَصيرُهُ
بالمَشرِقَينِ وذلَّ حتى خُوِّفَا؟

يا للزّمانِ السَّوءِ كيف تصرّفا

من كلِّ مسودّ الضَّميرِ قد انطوى
للمسلمينَ على القِلى وتَلَفَّفا

عُبْدانُ عُبْدانٍ وتبّع تُبّعٍ
فالفاضلُ المفضولُ والوجه القَفا

أسَفي على الأحرارِ قَلّ حِفاظُهم
إن كان يُغني الحُرَّ أن يتأسّفا

لا يُبْعِدَنَّ اللّهُ إلاّ مَعْشَراً
أضحوا على الأصنامِ منكم عكَّفا

هلاّ استعانَ بأهلِ بيتِ محمّدٍ
من لم يجدْ للذُّلِّ عنكمْ مصرفا

يا ويلكمْ أفما لكم من صارخٍ
إلاّ بثغرٍ ضاعَ أو دينٍ عفا

فمدينَة ٌ من بعد أُخرى تُستَبَى
و طريقة ٌ من بعد أخرى تقتفى

حتى لقد رَجَفَتْ ديارُ ربيعَة ٍ
و تزلزلتْ أرضُ العراق تخوُّفاً

و الشامُ قد أودى وأودى أهلهُ
إلاّ قليلاً والحجازُ على شفا

فعجبتُ من أن لا تَميدَ الأرضُ من
أقطارها وعجبتُ أن لا تخسفا

أيسرُّ قوماً أنَّ مكّة َ غودرتْ
بمجرِّ جيش الرُّومِ قاعاً صفصفا

أو أنّ ملحودَ النبيَّ ورمسهُ
بمدارجِ الأقدامِ ينسَفُ مَنسَفا

فترَبّصُوا فاللّهِ مُنْجِزُ وَعْدِهِ
قد آنَ للظّلماءِ أن تتَكشّفَا

هذا المُعِزُّ ابنُ النبيِّ المُصْطفَى
سيَذُبُّ عن حَرْمِ النبيِّ المُصْطفى

في صدر هذا العامِ لا يلوي على
أحدٍ تلفَّتَ خلقهُ وتوقَّفا

و أنا الضّمينُ لهُ بملكِ قيادهمْ
طَوْعاً إذا الملِكُ العنيفُ تعَجْرَفا

و بعطفِ أنفسهم هدّى وندى ً فلو

فإلى العراقِ وذَرْ لِمَنْ قدّمْتَهُ
مِصْراً فهذا مُلكُ مصرٍ قد صَفا

و أرى خفيّاتِ الأمورِ ولم تكنْ
ببصيرة ٍ تجلو القضاءَ المسدفا

فكأنَّني بالجيش قد ضاقتْ بهِ
أرضُ الحجازِ وبالمواسمِ دُلَّفا

و بكَ ابنَ مستنِّ الأباطحِ عاجلاً
قد صِرتَ غيث من اجتدى ومن اعتفى

وعنَتْ لك العُرْبُ الطِّوال رِماحها
و استجفلتْ ممّا رأتهُ تخوفاً

و أزدرتَ قبرَ أبيكَ قبرَ محمّدٍ
بملائكِ اللّهِ العُلى متكنَّفا

ورقَيتَ مَرقاهُ وقُمْتَ مقامَهُ
في بُرْدَة ٍ تُذري الدموعَ الذُّرَّفا

متلِّقدا سيفينِ سيفَ اللهِ منْ
نصرٍ وسيفَكَ ذا الفَقارِ المُرهَفا

لِيَقِرَّ تحتكَ عودُ منبرِهِ الّذي
لا يستقرٌ تحسُّراً وتلهُّفا

وتُعيدُ روْضَتَهُ كأوّلِ عَهدِهَا

وكأنّني بك قد هَزِجْتَ مُلبّياً
وهَدَجْتَ بينَ شِعابِ مكّة والصَّفا

وكأنّني بِلِواءِ نَصرِكَ خافِقاً
قد حامَ بينَ المروتينِ ورفرفا

والحِجْرِ مُطَّلِعاً إليكَ تشَوُّقاً
والركْنِ مُهْتَزاً إليكَ تشَوُّفا

و سألتُ ربَّ البيتِ بابنِ نبيّهِ
وجعلتكَ الزُّلفى إليه فأزلفا

و هربتُ منهُ إليهِ في حرماتهِ
أدعوهُ مبتهلاً وأسألُ ملحفا

وكأنّني بك قد بلغْتُ مآربي
و قيتُ من نسكِ المودِّع ما كفى

وخطبتُ قبلَ القوْمِ خطبة َ فيصَلٍ
أثني عليك فوعدُ ربَّك قد وفى

وطبتُ بالزَّوراء أُخرَى مثلَهَا
ووقفُ بينَ يديكَ هذا المواقفا