هوَ الدّهرُ مُغرًى بالكَريمِ وسَلبِهِ، - صفي الدين الحلي

هوَ الدّهرُ مُغرًى بالكَريمِ وسَلبِهِ،
فإنْ كنتَ في شكٍّ بذاكَ فسلْ بهِ

أرانا المعالي كيفَ ينهدّ ركنُها،
وكيفَ يغورُ البدرُ من بينِ شهبهِ

أبعدَ غِياثِ الدّينِ يَطمَعُ صَرفُهُ
بصرفِ خطابِ الناسِ عن ذمّ خطبهِ

وتخطو إلى عبد الكريمِ خطوبهُ،
ويطلبُ منّا اليومَ غفرانُ ذنبهِ

سَليلُ النّبيّ المُصطَفى ، وابنُ عمّهِ،
ونجلُ الوصيّ الهاشميّ لصلبهِ

فتًى كانَ مثلَ الغَيثِ يُخشَى وَبالُهُ
ويُرجَى لطُلاَّبِ النّدى وَبلُ سُحبِهِ

رَقيقُ حَواشي العَيشِ في يومِ سِلمِهِ،
كثيفُ حواشي الجيشِ في يومِ حَربِهِ

فلا يَتّقي الأسيافَ إلاّ بوَجهِهِ،
ولا يَلتَقي الأضيافَ إلاّ بقَلبِهِ

ولا ينظرُ الأشياءض إلاّ بعقلِهِ،
ولا يَسمَعُ الأنباءَ إلاّ بلُبّهِ

إذا جالَ في يومِ الرّدى قيلَ من له؟
وإن جادَ في يوِم النّدى قيل مَن بِهِ؟

أمن بعدِ ما تمتْ محاسنُ بدرهِ،
ودارتْ على كلّ الوَرى كاسُ حزنِهِ

دَهَتهُ المَنايا، وهيَ في حدّ سَيفِهِ،
وصرفُ الليالي وهوَ من بعضِ حبهِ

كأنْ لم يَقُدْها كالأجادِلِ سُرَّباً،
ويرفع قبّ الليلِ من نقعِ قبهِ

ولم يقرعِ الأسماعَ وقعُ خطابهِ،
ولم يطرقِ الهيجاءَ موقعُ خطبهِ

ولا كان يومَ الدَّستِ صاحبَ صدرهِ،
وللجيشِ يومَ الحربِ مَركزُ قُطبِهِ

أتَعتَزّهُ الأعداءُ في يومِ لَهوِهِ،
فلاّ أتوهُ جحفلاً يومَ حربهِ

ولم أرَ قَبلَ اليَومِ لَيثَ عَريكَة ٍ،
أذاقَتهُ طَعمَ المَوتِ عَضّة ُ كَلبِهِ

ولو كانَ ما بينَ الصوارمِ والقنا،
وفوقَ مُتونِ الخَيلِ إدرَاكُ نَحبِهِ

لكانَ جَميلَ الذّكرِ عن حُسنِ فِعله،
ينفسُ عن قلبش الفتى بعضَ كربهِ

أبيُّ قيادِ النفسِ آثرَ حتفهُ،
ولم يُبدِ يَوماً للعِدى لينَ جَنبِهِ

كأنّ بني عبد الحَميدِ لفَقدِه،
ذُرى جبَلٍ هُدّتْ جَلامدُ هَضبِهِ

أتَسلُبُهُ الأعداءُ مِن بينَ رَهطِهِ،
وتَغتالُهُ الأيّامُ من دونِ صَحبِهِ

وتَفقدُهُ في دَولة ٍ ظاهرِيّة ٍ
بها الذئبُ يعدو رائعاً بينَ سربهِ

بدَولَة ِ مَلكٍ يَغصبُ اللّيثَ قُوتَهُ،
ويقتلُ منْ يلقاهُ شدة ُ رعبهِ

فلو كانَ شمسُ الحقّ والدين شاهداً
لمَصرَعِ ذاكَ النّدبِ ساعة َ نَدبِهِ

بكاهُ بأطرافِ الأسنة ِ والظبَى ،
بدَمعٍ من اللّباتِ مَسقِطُ سَكبِهِ

وشنّ على عربِ العذارينِ غارة ً
يَضيقُ بها في البَرّ واسعُ رَحبِهِ

فتعجبُ لباتُ الكماة ِ بطعنهِ،
ويُعرِبُ هاماتِ الحُماة ِ بضَربِهِ

فلا نَقطَ إلاّ من سِنانِ قَناتِهِ،
ولا شكلَ إلاّ من مضاربِ عضبهِ

أبا الحربِ بادرْ واتخذها صنيعة ً،
تُبَدِّلُ مُرَّ القَولِ فيكُم بعَذبِهِ

فكم لغياثِ الدينِ من حقّ منة ٍ
تطوقُ بالإنعامِ أعناقَ صحبهِ

قضَى نَحبَهُ، والذّكرُ منه مُخَلَّدٌ
بأفواهِنا لم يَقضِ يوماً لنَحبِهِ

ومُذ رَجَعتْ أترابُهُ من وَداعِهِ،
تلقاهُ في أكفانِهِ عفوُ ربهِ

سقَى قبرهُ من صيبِ المزنِ وابلٌ،
يَجُرّ على أرجائِهِ ذَيلَ خَصبِهِ

ومن عجبٍ أنّ السحابَ بقبرهِ،
وأسألُ من صوبِ الحيا ريّ ربهِ