كُفّ الملامَ فما يُفيدُ ملامي - عبد الغفار الأخرس

كُفّ الملامَ فما يُفيدُ ملامي
الداءُ دائى والسقام سقامي

جسدٌ تعوَّدهَ الضنى وحشاشة
مُلِئَت بلاعج صبوة وغرام

حتى إذا حار الطبيب بعلَّتي
وقف القياس بها على الإيهام

لم يدر ما مرض الفؤاد وما الذي
أخفيته عنه من الآلام

قد أنحلتْ جسمي بتذكار الغضا
نارُ الغضا وتشبَّثتْ بعظامي

من لي بأيام الغوير وحبّذا
أيام ذاك الربع من أيّام

أيام لم أقطع بها صلة الهوى
فكأنما هو من ذوي الأرحام

في روضة رضعت أفاويق الحيا
وهمى عليها المستهلّ الهامي

غنّاء إنْ غنَّتْ حمائم دوحها
رَقَصَتْ لها الأغصان بالأكمام

أصغي إلى نَغَم القيان وأرتوي
منْ ريق ممتزج بريق الجام

وإذا أُخَذْتُ الكأس قلت لصاحبي
العيش في دنياك كأس مدام

أيّام كنتُ أمنتُ طارقة النوى
وظنِنْتُ أنّ الدهر من خدامي

مرَّتْ كما مرَّ الخيال من الكرى
ما أشبهَ الأيام بالأحلام

لله أَرْبعنا التي في رامة
كانت أجلّ مطالبي ومرامي

يا مسرح الآرام من وادي الحمى
هل عودة يا مسرح الآرام

لي فيك مُنيَة عاشق ذي صبوة
معلومة وتهتّكٍ وهيام

لما رأَتْ نُوق التَرَحُّلِ قد دَنَتْ
ورأت على صرف النوى أقدامي

نثرت عليَّ من المدامع لؤلؤاً
أبهى وأبهجَ من بديع نظامي

إنْ لامني فيك العذول جهالة
فالصبّ في شغلٍ عن اللّوّام

كم ليلة ٍ قد بتُّ بعدكَ في جوى ً
أرعى نجوم الليل رعي سوام

أرجو الصباح ولا صباح كأنه
كرمٌ يرجّى من أكفِّ لئام

ما كان أطيبَ من مواصلة الكرى
لو يسمحُ النائي بطيف منام

هَطَلَتْ لأرْبُعك الدوارس عبرتي
فكأنها يا ميُّ صَوْبَ غمام

وبَلَلْتُ من تلك الرسوم أُوامها
هذا وما بلَّ البكاء أوامي

تلك المواقف لم يكنْ تذكارها
في القلب يا ظمياءُ غيرَ ضرام

وأكادُ أَقطعُ حَسرة ً وتلهُّفاً
منّي على أيّامها إبهامي

بالله يا نسماتِ نجدٍ بلّغي
دارَ السلام تحيّتي وسلامي

وأخلّة ً حلفَ الزمانُ بأنَّهم
وَجْهُ الزّمان وغُرَّة الأيام

أقسمتُ إنَّ القلب لا يسلوهم
وبرزتُ بالأيمان والأقسام

قومُ رميتُ بسهمٍ بين منهم
فأصابَ هذا القلبَ ذاك الرامي

هل ترجعنَّ الدارُ ثمَّة بعدهم
والربعُ ربعي والخيام خيامي

وأرى سناءَ أبي الثناء كأنَّه
صبحٌ تبلَّجَ من خلال ظلام

قَرمٌ له في الفضل أوفرُ قسمة
والفضل كالأرزاق في الأقسام

فَخَرَتْ شريعَتُنا بمفْخَرِ سيّدٍ
فخر الشرائع فيه والأحكام

إنَّ الذي آوى إليه من الورى
آوى إلى علم من الأعلام

جبلٌ أظلّ على الأنام ولم يكنْ
قُلَلُ الجبالِ الشُّمِّ كالآكام

وله وإنْ رغمتْ أنوفٌ شمخٌ
مجدٌ إذا عدَّ الأماجد سامي

من قاسه بسواه من أقرانه
قاسَ النُّضار لجهله برغام

إنْ أبصرتْ عيناك حين يجادل الخصمَ
الخصمَ الألدَّ وحان حينُ خصام

فهناك تُبْصِرُ هيبة ً نبوّية ً
تصنع الرؤوس مواضع الأقدام

ببلاغة ٍ مقرونة ٍ بفصاحة ٍ
ترمي فصيح القوم بالإعجام

تَقِفُ العقول حواسراً من دُونها
ما بين إقدامٍ إلى إجحام

من كلّ مشكلة يحيّر فهمها
دقَّت على الأفكار والأفهام

عذراء ما كشفت لغير جنابه
من قبل عن مُرط لها ولثام

ولقد رأيتُ لسانه مع أَنَّه
كالشهد أمضى من شفير حسام

ولقد رأيت جنانه كلسانه
وكلاهما إذ ذاك كالصمصام

حُجَجٌ يروع بهنّ من أفكاره
بَرَزَتْ بروز الأسْدِ من آجام

حازَ النّهاية في الفضائل كلّها
حتى من الإحسان والإكرام

لو لامس الصخرَ الأصمَّ تفجَّرت
من كفّه بسوابغ الإنعام

ردْ ذلك البحر الخضمَّ فإنّه
وأبيك بحرٌ بالمكارم طامي

سلْ ما تشاء تنلْ مرامك كلَّه
عن كشف إبهام ونيل حطام

وکبشِرْ بمترعة الغدير بمائها
إنْ شِمْتَ بارق ثغره البسّام

أقلامه افتخرتْ على سمر القنا
فرأيت كلّ الفخر للأقلام

خطٌّ يَسُرُّ الناظرين ولم يزلْ
في العين أحسن من عذار غلام

وكأنّما نظم النجوم قلائداً
في الكتب مشرقة مدى الأيام

فيها لمن طلب الحقيقة موردٌ
يشفي الصدور بها ويروي الظامي

ما أظْهَرَ الباري حقيقة َ فضله
إلاّ ليظهر قوَّة َ الإسلام

الله أكبر أنت أكبر آية ٍ
ظهرتْ بأكبر آية لأنام

أرضتَ أقوام الهدى وبعثتَ في
ذاك الرضى غيظاً إلى أقوام

بمباحثٍ للحق في ميدانها
إحجامُ كلّ سميدع مقدام

ولكم عددتُ لك الجميل ولذَّ لي
خطّي غداة عَدَدْتها وكلامي

أنّى أعدُّ وإن رقمت محاسناً
كنهاية الأعداد والأرقام

لكن رأيت لك المديحَ مثوبة ً
فمحوتُ في إثباتها آثامي

لك في قلوب المؤمنين محبَّة ٌ
مزجتْ مع الأرواح في الأجسام

شكراً لأنْعُمك السَّوالف إنَّها
رفعتْ برغم الحاسدين مقامي

إنّي عَقَدْتُ بذيل فضلك ذِمَّة ً
إنْ حلَّت الأيام عقدَ ذمامي

إنْ تسألنْ عنّي فإنّي لم أزل
بمشقَّة الإنجاد والإتْهام

أصبحتُ كالجمل الذَّلول تقودني
هذي النوى قسراً بغير زمام