كُنْ بالمدامة للسُّرور مُتَمِّما - عبد الغفار الأخرس

كُنْ بالمدامة للسُّرور مُتَمِّما
صفراءَ قبلَ المزج تحكي العَنْدَما

شمسٌ إذا جليتْ بكفٍّ أطلعتْ
منها الحباب على الندامى أنجما

هذي أُوَيْقات السرور فلا تَدَعْ
فُرَصَ السرور من الزمان فربّما

أو ما ترى فصل الربيع وطيبه
والزهر في الأكمام كيف تبسَّما

وکمزج معتقة َ الدنان فإنّني
أهوى المزاج بريق معسول اللمى

ومهفهف الأعطاف يرنو لحظُه
فإخاله يَسْتَلُّ سيفاً مخذما

لولا محاسن جَنَّة ٍ في وجهه
ما شاهد المشتاقُ فيه جهنّما

أو كان يمنحني زلال رضابه
ما بتُّ أشكو من صبابته الظما

ويلاه من شرع الغرام من الذي
جعلَ الوصالَ من الحبيب محرَّما

ولرب ليل زارني في جنحه
وعصى الوشاة به وخالف لوّما

قصّيت أهنأ عيشة من وصلهِ
حتى أنارَ صباحهُ وتصرَّما

إنَّ العيون النُّجل أَوْرَثْنَ الرَّدى
قَلْبي وأرشَقْنَ الخواطر أسْهُما

وتوقُّد النيران في وجناته
أوقدنَ في الأحشاء شوقاً مضرما

أمعنِّفَ المشتاق في أشجانه
إيّاك تعذل بالهوى مستغرما

قد كان لي قلبٌ يطيعك بالهوى
لكنّما سلبوه غزلان الحمى

وبمهجتي الظبي الغرير فإنّني
حكّمته في مهجتي فتحكّما

أهوى التشبب بالملاح ولم يزل
قلبي بمحمود الفعال متيَّما

العالمُ المبدي العجاب بعلمه
والمبهر الأفهام حيث تكلّما

تلقى الأنام عيال بيت علومه
فترى قعوداً ترتجيه وقوّما

هذا تراه مؤمِّلا يرجو الندى
من راحتيه وذا أتى متعلّما

فيرد هذا فائزاً من فضله
فيما يروم وذاك عنه معلما

لم ألقَ أغزرَ نائلاً من كفِّهِ
وأُرَقَّ قلباً بالضعيف وأرحما

إنْ جئته بمسائلٍ ووسائلٍ
أضحى لقصدك مكرماً أو مفهما

جمع المفاخر والمحامد كلها
وأباد بالكرم المشرفَ المعلما

ولكم أتيتُ لبابه في جاحة
فوجَدْتُ ساحته الغنى والمغنما

فقصدت أفودَ من قصدتُ من الورى
وأتيتُ أبركَ من أتيت ميمما

وأتيتُه فوجَدْت حصناً مانعاً
ووردته فرأيت بحراً قد طمى

كم قد أنال مُؤَمِّلاً من رِفْدِه
وأغاثَ ملهوفاً، وأغنى معدما

وشهدْت قرماً بالكمال متَوَّجاً
ورأيت ليثاً بالفخار معمّما

بطلٌ أعزَّ الجارَ في إكرامه
وأهان في كرمِ اليمين الدرهما

بأبي فتى ً مذ كان طفلاً راضعاً
فاضت أناملُ راحتيه تكرُّما

شادت فضائله مقاماً في العلى
سامٍ على طول المدى لن يهدما

متبسمٌ للوافدين لبابه
والغيث إنْ قَصَدَ الهُطَولَ تَبَسَّما

ما فاض نائله وفاض بعلمه
إلاّ التقطْتَ الدُّرَّ منه توأما

كم مشكلات أُوضِحَتْ بذكائه
وأبانَ في تقريره ما أبهما

ما زال مذ شم النسيم حلاحلاً
أمسى بحب الفضل صباً مغرما

يعزى إلى بيت الرسول محمد
وإ لى النبيّ الهاشميّ إذا انتمى

يوم النوال يكون بحراً زاخراً
ولدى العلوم تراه حبراً مفعما

قسراً على كيد المعاند قد علا
وبرغم أنفِ الحاسدين لقد سما

الله أَوْدَعَ في سريرة ذاته
من قبل هذا جوهراً لن يقسما

قل للذي يبغي وصول كماله
هيهات إنَّكَ لست من يصل السما

أحلى من العسل الجنيّ فكاهة
وتراه يوم الجد مرّاً علقما

مثل الأُسود الضاريات إذا سطا
والمرسلات الذاريات إذا همى

كم راح زنديق يروم نزاله
فرآى سيوف الحق عنه فأحجما

وأتى عليه بكلّ برهان بدا
لو كان في جنح الدجى ما أظلما

فهو الذي نهدى به في ديننا
ونرى طريق الرشد فيه من العمى

يا سيّداً حاز العلوم بأسرها
حتى غدا علمَ الأنام وأعلما

فليهنك المجدُ الذي بُلِّغْتَه
لو أنصفوك لكنتَ فيه مقدّما

فلقد بلغت اليوم أرفع منصب
أضحى على أعداك فيه مأتما

ما نلت إلاّ ما جنابك أهلهُ
فابق على أبدِ الزمان مكرَّما

وکسأل ودادَك من جوانح أخرس
لو كان يستطيع الكلام تكلَّما