عفا الله عن ذاك الحبيب وإنْ جنى - عبد الغفار الأخرس

عفا الله عن ذاك الحبيب وإنْ جنى
دعاني به المشتاقُ في صدِّه العنا

قَسا قَلْبُه في قول واشٍ وحاسدٍ
وعهدي به رطب المحبّة ليّنا

من الغيد فتّاك بقدٍّ ومقلة
إذا لاح وسنانُ النواظر بالسنا

ففي لحظه استكفى عن الضرب بالظبا
وفي قدّه استغنى عن الطعن بالقنا

فأَينَ غصونُ البان منه إذا انثنى
وأينَ الظباء العُفر منه إذا رنا

فيا سالبي صَبري على البعد والنوى
ويا مُلبسي ثوباً من السُّقم والضنى

لقد فتنتني منك عينٌ كحيلة ٌ
وما خُلِقت عيناك إلاّ لتفتنا

وليلٍ بإرغام الرقيب سهرته
كأنَّ علينا للكواكب أعينا

نَعْمنا به من لذّة العيش ليلة
وقد طافت الأقداح من طرب بنا

فمنْ كأس راح للمسرات تحتسي
ومن ورد خدٍّ ما هنالك يجتنى

إلى أنْ ذوى روض الدجى بصباحه
وبدَّلَ من وردِ البنفسج سوسنا

أعدْ ذكر هاتيك الليالي وإنْ مضت
ولم تَكُ بعد اليوم راجعة لنا

إذا ما جرت تلك الأحاديث بيننا
أَمالَ عليها غصنَه البانُ وکنحنى

وإنْ عرض اللاّحي ولام على الهوى
فصرّح بمن تهوى ودَعْني من الكنى

إلى الله أشكو من تجنّيه شادناً
أَحِلُّ مكاناً في الحشى فتمكّنا

أشيرُ إلى بدرِ الدجنّة طالعاً
وإيّاه يعني بالإشارة من عنى

ويا ويحَ قلبي كيفَ يرمين أعينٌ
تعلَّمنَ مرمى الصيد ثم رميننا

خليليَّ هلْ أحظى بها سنة َ الكرى
لعلَّ خيالاً يطرقُ العينَ موهنا

فما أنا لولا النازحون بمهرقٍ
فُرادى دموع ينحدرنَ ولا ثُنا

رعَيْتُ لهم عهداً وإن شطّت النوى
بهم وکستبين الودُّ بالصدق معلنا

وإنّي لأرعى للمودَّة حقّها
ولا يهدمنَّ الودَّ عندي من بنى

ولا خير في ودّ امرئٍ إنْ تلوّنت
بيَ الحال من ريْب الزمان تلوُّنا

حبيبٌ إليَّ الدهرَ من لا يريبني
ويرعى مودّات الأخلاّءِ بيننا

وكلّ جواد يقتني المال للندى
وينفق يوم الجود أنفس ما اقتنى

لئن كنت أغنى الناس عن سائر الورى
فما لي عن سلمان في حالة غنى

إذا هَتَفَ الداعي مجيباً بکسمه
زجرتُ به طيراً من السعد أيمنا

تأمَّلتُ بالأشراف حسناً ومنظراً
فلم أرَ أبهى من سناه وأحسنا

بأكرمهم كفّاً وأوفرهم ندى ً
وأرفعِهم قَدَراً وأمنعِهم بِنا

وكم حدَّثوا يوم الندى بحديثه
فقلتُ أحاديث الكلام إلى هنا

وما زال يروي الشعر عن مكرماته
حديث المعالي عن علاه معنعنا

بكلّ قصيدٍ يحسُد العقد نظمها
تفنَّنَ فيها المادحون تفنّنا

بروحي من لا زال منذُ عَرَفْتُه
إذا ما أساءَ الدهرُ بالحرّ أحسنا

نبا لا نبا عنّي بجانب ودّه
ومن لي به لو كان بالوَرْدِ قد دنا

وبي فيه من حُرِّ الكلام وجَزله
مقالٌ من العتبى وعتبٌ تضمَّنا

إذا برزت لي حجة في عتابه
أعادت فصيح النطق بالصدق ألكنا

أبا مصطفى إني وانْ كنتأخرساً
فما زال كلّي في ثنائك أسنا

أبا مصطفى أمّا رضاك فمُنْيَتي
ومن عَجَبٍ فيك المنيَّة والمنى

إذا كان عزّي من لدنك ورفعتي
فلا ترتضِ لي موطن الذل موطنا

ألستُ امرأً أنزلتُ فيك مقاصدي
بمنزلة تستوجب الحمد والثنا

وشكرانُ ما أوليتنيه من النّدى
لمتخذِ المعروف في البرّ ديدنا

وما كان ظنّي فيك تصغي لكاذب
وتقبل قول الزور من ولد الزنا

فتبدلني بعد المودَّة ِ بالقلى
وتغضب ظلماً قبلَ أنْ تتبينا

وأنْتَ الذي جَرَّبتني وَبَلْوتَني
وأَنْتَ الذي في الناس تعرف من أنا

أبيٌّ أشمُّ الأنف غيرُ مداهن
قريب من الحسنى بعيدٌ عن الخنا

صددت وأيم الله لا عن جناية
وما كان لا والله صدّك هيّنا

أبنْ واستبن أمراً تحيط بعلمه
لعلك أنْ تَستكشِفَ العذر بيننا

وهبني مسيئاً ما يزعمونني
بلائقة ٍ منهم فكن أنتَ محسناً

وسرَّ إذنْ نفسي ودع عنك مامضى
فلا زلتَ مسروراً ولا زلتَ في هَنا