كم قَدِ أَلينُ لمن قسا بصدودِهِ - عبد الغفار الأخرس

كم قَدِ أَلينُ لمن قسا بصدودِهِ
حتى ظننتُ فؤادهَ جلمودا

ولكمْ أسلتَ من العيون مدامعاً
وأهجتَ من حرّ الغرام وقودا

كبدٌ تذوبُ وحسرة ٌ لا تقضي
ودموعُ طرفٍ بألفُ التسهيدا

أنكرتَ معرفتي على عهد النوى
ومَنَحْتَني بَعدَ الوصال صدودا

أَخْلَقْتَ صبري بَعد بُعدِك بالنوى
وكسوتني ثوبَ السقام جديدا

لولا العيون النجل ما عرف النوى
من كان صبّاً في هواك عميدا

ولقد أرى نارَ الزفير ولا أرى
يوماً لنيران الفؤاد خمودا

فالموقرات بريّها وقطارها
والحاملات بوارقاً ورعودا

تهمي الندى وتريك كلَّ عشية ٍ
سَحَبَتْ على زهر الرياض برودا

ما زلتُ أحمدُ للمسير عواقباً
حتّى حَلَلْتُ مقامَك المحمودا

طالَعْتُ في وجه السعيد محمد
فرأيتُ طالع مجتديه سعيدا

قابَلْتُ أَحداث النحوس بسَعْدِه
فأعادَ هاتيك النحوس سعودا

وزجَرْتُ طيرَ السعد يهتُف بکسمه
ورأيتُ منه الطالع المسعودا

أَقْرَرْتُ عينَ المجد فيك مدائحاً
وأَغَظْتُ فيك معانداً وحسودا

وإذا نظرتَ إلى سناه ومجده
لنظرتَ من فلق الصباح عمودا

ما زال يولينا الجميل بفضله
كَرَماً يَسُرُّ الآملين وجودا

وإذا کستمحتُ به النوال وجدْتُه
غيثاً يَسِحُّ ومنهلاً مورودا

ولقد مَدَحْتُ الماجدين فلا أرى
إلاّ مديحاً مقنعاً ومفيدا

لا فارَقَتْ عينايَ طلْعَتَك التي
مَدَّتْ عَلينا ظِلَّكَ الممدودا

سادات أبناء الزمان بأَسْرِهم
ورثوا المكارمَ طارفاً وتليدا

تفني مكارمه الحطامَ ويقتني
ذكراً يُخَلَّدُ في الثناء خلودا

فَلَقَدْ رَقَيْتُ بها لأرفع رتبة
فَبَلَغْتَ أسباب السماء صعودا

ويريك إنْ ضلَّت عقول أولي النهى
رأياً يريك به الصواب سديدا

أَخَذُوا بناصية المفاخر والعلى
وتَسَنَّموها قُوَّماً وقعودا

وتَخالُهم عند العطاء غمائماً
وتظنُّهم يومَ اللقاء أسودا

إنّي لأشكر من جميلك ما به
أكْبَتُّ من بَعد الحسود حسودا

هذا الذكاء ولا مزيد على الذي
أَبْصَرْتُ منك لمن أراد مزيدا

أَبَتِ المحاسنُ والمكارم في الندى
إلاّ بقاءً بعدهم وخلودا

أَخَذوا المذاهبَ في الجميل فلم نجد
إلاّ مقلدُّهم به تقليدا

قلَّدتني نعماً أنوءُ بحملها
فنظمتُ فيك قلائداً وعقودا

لا زلتَ لي عيداً أشاهدُ عوده
حتى ألاقي يوميَ الموعودا