أعد اللَّهو فإنَّ اللّهوَ أحْمَدْ - عبد الغفار الأخرس

أعد اللَّهو فإنَّ اللّهوَ أحْمَدْ
وأدِرْها في لُجَين الكأس عَسْجَد

واسقنيها قهوة عاديّة ً
أخبرت عمّا مضى في ذلك العهد

لو رأى كسرى سنا أنوارها
ظنّها النار التي في الفرس تعبد

لبست من حبب المزج لها
تاج إسكندر ذي القرنين والسد

فاسقني اليوم أفاويق الطلا
وأعدها يا نديمي لي في غد

قَدُمت لكننا في شربها
كل يوم سرور يتجدد

في رياض لعبت فيها الصبا
وأذاعت سرّ نشر الشيح والرند

أخذت زخرفها من بعد ما
حاكت المزن لها أثواب خرّد

نثر الطلّ عليها لؤلؤاً
أدمُعاً سالت من العين على الخد

فانثنت أغصانها مائسة ً
طرب النشوان راحت تتأوّد

فعلام الطير في الأفنان عربد

زمن الورد وما يُعجبنُي
زمنٌ لِلَّهو إلاّ زمنُ الورد

تنقضي أيامه محمودة ً
في أمان الله من حرٍّ ومن برد

فاغتنمها فرصة ما أمكنت
قبل أن تذهب يا صاح وتفقد

بين شاد تطرب النفس به
يتغنى ومليح يتأوّد

ما ألذّ الراح يسقاها امرؤ
من يديْ ساقٍ نقيّ الخد أمرد

بخجلُ الأقمار حسناً وجهه
وغصون البان ليناً ذلك القد

فالعوالي والغوالي إنّما انتسـ
ـبَتْ منه انتساب القدّ والند

أرأيت السّحر فيما زعموا
إنَّه راح إلى عينيه يسند

أنزلت للحسن آيات به
آمن العاشق فيهن وما ارتد

ما رمى قلبي إلاّ عامداً
قاتلٌ لي ولقتلي يتعمّد

يأخذ الأرواحَ من أربابها
لعباً منه فما قولك إن جد

سمح المهجة لا ممتنع
عن محبٍ خضل الطرف مسهَّد

لا يشوب الوصل بالصدّ ويا
ربَّ إلفٍ لا يشوب الوصل بالصد

بأبي الأغيد لا بمزجها
من لماء بسوى العذب المبرد

وبأحشائي من الوجد إلى
بارد الريقة نار تتوقد

حبذا العيش بمن قد تصطفي
لا النوى بادٍ ولا الشمل مبدّد

تحت ظِلَّي مالِكَي رقّي وما
غير محمود ولا غير محمد

النجيبين اللَّذين انتدبا
بجميل الصنع والذكر المخلد

والمجيدين وكلَّ منهما
طيب العنصر زاكي الأصل والجد

والكريمين وما صوبُ الحيا
إن يكنْ أبرقَ بالجود وأرعد

والرفيقين كأنّي بهما
بلغا الغاية من مجد وسؤدد

إنْ أفاخر بهما غيرهما
فلقد أفخرُ بالحرِّ على الوغد

خلقاً للفضل وارتاحا له
لا كمن عُوِّد قسْراً فتعوّد

إنّ هذين هما ما برحا
للمعالي بمحل الكف والزند

فتأمّلْ بهما أيّهما الذا
بل الخطيُّ والسيف المنهد

إنْ يكونا قلّداني نعمة ً
أنا فيها فنعمّا أتقلّد

وصلا حبلي وشادا مفخري
ولمثلي فيهما الفخر المشيّد

هكذا فلتكُ أبناء العلى
تقتفي الأبناءُ إثر الأب والجد

إنّما الشبل من الليث وما
يلدُ الأصيدُ يوماً غير أصيد

من أبٍ يفتخر المجد به
إنْ رمى أصمى وإن ساعد أسعد

هو بحرٌ ما له من ساحل
وحسامٌ لم نقف منه على حد

وهزبر باسل برثنه الأسمرُ
العسّال والعَضْبُ المجرّد

هو مولاَي إذا استعطفْتُه
عطف المولى من البر على العبد

مالكٌ حكّمني في ماله
فلي الأخذ خياراً ولي الرد

وحباني نعماً أشكرها
فله الشكر عليها وله الحمد

لا أبالي إنْ لي جنَّة ً
بزمان كان لي الخصم الألندد

طاول الأيدي فطالت يده
ما على أيدي للعالم من يد

حفظَ الحافظُ نجليه ولا
برحا في أطيب العيش وأرغد

لم يلد مثل أبيهم والدٌ
لم يلد قبل ولا من بعد يولد

نصروا المجد وكانوا حزبه
فهم الأنصار والحزب المؤيّد

فلقد طابوا وطابت خيمهم
طيّبو الأعراق من قبل ومن بعد

نبتوا فيها نباتاً حسناً
وغذاهم بلبان العز والمجد

وإذا امعنتَ فيهم نظراً
لم تجد إلاّ شهاباً ثاقب الزند

كلّما زاد وقاراً زدته
مِدَحاً تُتلى مدى الدهر وتنشد

وعذارٍ مذ بدا أرخته
لاح كالمسك عذار لمحمد