أعادك يا سعد عيد الهوى ؟ - عبد الغفار الأخرس

أعادك يا سعد عيد الهوى ؟
وأنت مُلِمٌّ بدار اللّوى

فأصبحت تنحر فيها الجفون
كما تنحر البدن يوم القرى

فمن حق طرفي هذي الدموع
ومن شأن قلبيَ هذا الجوى

فما غير قلبي يصْلى الفضا
ولا غير طرفي يفيض الدما

وكيف وقفت على أربع
عفتْ قبل هذا بأيدي البلى

أتدفع فيها بها ما ترى
فكيف تداوي الأسى بالأسى

ولِم لا اتَّبعت كلام النصوح
وكفكفت دمعك لما جرى

إلى أن تحقَّقْتَ أنّ الغرام
يعيد القويَّ ضعيف القرى

وحتى أطعت الهوى والشجيُّ
يعاصي الملام لطوع الهوى

فإن تلحني بعدها مرة
جزيتك يا سعد بئس الجزا

ولمتُكَ في عبرات تفيض
ووجد يقطع منك الحشا

وقلت تسلّ عن الظاعنين
فإن السلوّ بأمر الفتى

ألم تك من قبلها لمتني
فماذا الوقوف وماذا البكا

وقد كنتُ مثلك بين الطلول
أساجل بالدمع وَبْلَ الحيا

وأروي الديار بماء الجفون
فلم يرق دمعي وفيها ظما

وما برحت عبراتي بها
تبل الغليل وتروي الصدى

وأذكر فيها على صبوتي
زمان التصابي وعهد الصبا

قضيتُ لديه بما أشتهي
ولكنّه قد مضى وانقضى

أغازل غِزلانَه للوصال
وأشرب للهو كأس الطلا

وأسمع من نغمات القيان
كلاماً يعشقّني بالدمى

يحضّ على ما يسر النفوس
ويدعو إلأى ما هو المشتهى

ينادمني كلّ عذب الكلام
يشابه بالحسن بدر الدجى

وألقى الزمان بهم باسماً
كوجه الكريم وزهر الرُّبا

فإن ترني بعدهم راضياً
ولو بالخيال فما عن رضا

ولكنها زفرات تهيج
فأذكر يا سعد ما قد مضى

وإن جاشتِ النفس من وجدها
فتعليلها بحديث المنى

وأخرج من ذكرهم بالقريض
بمدح عليٍّ خدينَ العلى

ففي مدحه ما يزيل الهموم
وفي شكره يستفاض الندى

فلا بعده للمنى منتهى
ولا غيره للعلى مرتقى

تواضعَ وهو عليُّ الجناب
رفيع المحل وسامي الذرا

بآثاره أبداً يقتفي
وأقوله أبداً يفتدى

ملاذ الجميع لمن قد دنا
من العالمين ومن قد نأى

أعاد مناقبَ آبائه
حياة العفاة وحتف العدى

تُشَدُّ إليها رحال المطى
فينفق أنفس ما قد غلا

فإما سألت ندى كفه
فسل ما تشاء وثق بالغنى

وأعجبُ ما فيه يعطي الجزيل
ويلحق ذاك الجدى بالجدى

ففيه مع الجود هذا الحياء
وفيه مع البأس هذا التُّقى

أليس من القوم سادوا الأنام
فهم سادة لجميع الورى

عليهم تنزَّل وحي الآله
ومنهم تبلج صبح الهدى

وكيف يفاخرهم غيرهم
إذا كان جدّهم المصطفى

وهذي ضرائح آبائهم

يلوذ بحضرتهم من يخاف
خطوب الليالي ويخشى الأذى

حماة ٌ بهم يأمن الخائفون
نوائبَ من شدّة تتَّقى

لهم عند ضيق مجال الرجال
عزائم ليست لبيض الظبا

أكارم لا نارهم في الظلام
توارى ولا جارهم في عنا

مضوا وأتى بعدهم فرعهم
ومن قد مضى مثل من قد أتى

مهابٌ إذا أنتَ أبصرته
فتحسبه من أسود الثرى

يجيب إذا ما دعاه الصريخ
همام يلبّى إذا ما دعا

صفا من يديه غير النوال
لمن يجتديه فخذ ما صفا

أؤمِّلُ منه بعيد المرام
وأرجوا به فوق ما يرتجى

وإني بنظمي مديحي له
كمن شرب الراح حتى انتشى

ولا زال في كل عيد يعود
بأرفع مجدٍ وأعلى بنا