يا ديمتي نوءِ الثُّريَّا دوما - ابن حيوس

يا ديمتي نوءِ الثُّريَّا دوما
لتروِّيا بالأبرقينِ رسوما

حُطَّا رِحَالَ الْمُزْنِ فَوْقَ مَعَالِمٍ
جعلَ الهوى مجهولها معلوما

وَمَعَاهِدٍ عَهْدِي بِها مَأْهُولَة ً
بصريمِ إنسٍ لمْ يكنْ مصروما

وَإِذَا الْغَمامُ عَدَا الْمَنَازِلَ صَوْبُهُ
فغدا على أجإٍ أجشَّ هزيما

وَسَقى لِسَلْمى دُونَ سَلْمى مَنْزِلاً
أَضْحى بِوَسْمِيِّ البُكا مَوْسُوما

بَانَ الْفَرِيقُ فَكَمْ حَمِيمٍ مِنْهُمُ
صارَ الفراقُ لهُ أخاً وحميما

رحلوا كأنَّ البينَ كانَ غمامة ً
حجبتْ بدوراً منهمُ ونجوما

بِقَلاَئِصٍ لَوْلاَ الْمَهَا وَخَدَتْ بِهِ
مَا كَانَ يَحْسُدُ مُهْمَلٌ مَحْرُوما

يا عاذليَّ أرى الملامَ جميعهُ
فِي الْحُبِّ لُؤْماً فَاعْذِرا أَوْ لُوما

وبنفسيَ القمرُ الَّذي في عشقهِ
ألغيتُ ريّى واطَّرحتُ ظلوما

رشأٌ تشابهَ طرفهُ ومحبُّهُ
وَوِدَادُهُ كُلٌّ أَرَاهُ سَقِيما

يَحْكِي تَعَرُّضُهُ لَنَا وَنِفَارُهُ
وَالجِيدُ وَالطَّرْفُ الكَحِيلُ الرِّيما

وَيُشاكِلُ الشَّمْسَ الْمُنِيرَة َ وَجْهُهُ
نُوراً وَبُعْدَ تَنَاوُلٍ وَأَدِيما

ويقايسُ المسكُ الذَّكيُّ بعرفهِ
فيكونُ أطيبَ في الأنوفِ نسيما

ذُو هِجْرَة ٍ أَيَّامُها مَا تَنْقَضِي
ومواعدٍ إنجازها ما سيما

مطلٌ كما مطلَ البخيلُ بوعدهِ
لا مثلما مطلَ الغريمُ غريما

فَسَأَطْلُبُ الْمَوْجُودَ عَنْ ثِقَة ٍ بِمَا
يُجْدِي عَلَيَّ وَأَتْرُكُ الْمَعْدُوما

وأقولُ للحدثانِ نصرٌ ناصري
فَاطْلُبْ لِجَوْرِكَ مَارِناً مَخْطُوما

إِنِّي أَبَيْتُ وَغَيْرُ بِدْعٍ أَنْ أَبى
منْ في ذراهُ أنْ يُرى مهضوما

فِي ظِلِّ أَرْوَعَ لاَ يَمُرُّ بِبُقُعَة ٍ
إِلاَّ وَكانَ تُرَابُهَا مَلْثُوما

تَتَنَاهَبُ الأَفْوَاهُ مَوْطِىء َ رِجْلِهِ
قُبَلاً لِمَنْعِ الهَيْبَة ِ التَّسْلِيما

يبثُّ منْ كلماتهِ الفقرَ الَّتي
ملأتْ قلوبَ الحاسديهِ كلوما

فاقَ الملوكَ فصاحة ً وسماحة ً
وَصَبَاحَة ً وَرَجَاحَة ً وَعَزِيما

وبدا الزَّمانُ بهِ أغرَّ محجَّلاً
ولقد عهدناهُ أغمَّ بهيما

إنْ همَّ بالأعداءِ كانَ غشمشماً
وإذا همتْ كفَّاهُ كانَ غشيما

منْ معشرٍ راعوا الممالكَ وارتعوا
رَوْضَ الْمَحَامِدِ بَارِضاً وَجَمِيما

حَتّى إِذَا ذَهَبُوا بِحُرِّ نَبَاتِهِ
تَرَكُوهُ لِلْمُتْعَقِّبِينَ هَشِيما

أخفوا هباتهمُ وخفُّوا للنَّدى
والمستغيثِ ويثقلونَ حلوما

مِنْ كُلِّ أَرْوَعَ مَا اسْتُقِلَّ عَطَاؤُهُ
في الممحلاتِ ولاَ استقلَّ ذميما

عُدِمُوا فَمَا ضَرَّ الشَّجَاعَة َ وَالنَّدى
وبغاتهُ أنْ يظعنوا وتقيما

وأتيتَ في أعقابهمْ متأخِّراً
فَأَتَيْتَ فَضلاً أَوْجَبَ التَّقْدِيما

مَاثَلْتَهُمْ ثُمَّ انْفَرَدْتَ بِسُؤْدُدٍ
تُلْفى إِماماً فِيهِ لاَ مَأْمُوما

لاَ تَبْكِ يَوْماً بِالفُنَيْدِقِ حَسْبُهُ
عزّاً وجدُّكَ مَنْ أذلَّ الرُّوما

وَرِثَا مَضَاءَ أَبِي عَلِيٍّ صَالِحٍ
حاوي المآثرِ حادثاً وقديما

أوفى البريَّة ِ في قراعِ ملمَّة ٍ
حزماً وأوسعهمْ لها حيزوما

كَمْ فَازَة ٍ ضُرِبَتْ لَهُ بِمَفَازَة ٍ
تردي السَّوابقَ والقلاصَ الكوما

ضُربتْ على محضِ النِّجارِ مظفَّرٍ
لا يسأمُ التَّقويضُ والتَّخييما

بِذَوَابِلٍ إِنْ زُرْنَ أَرْضَ مُعَظَّمٍ
أكثرنَ أرملة ً بها ويتيما

وَمُبَذَّلاَتٍ لِلصَّوَارِمِ وَالقَنَا
وَمُبَدَّلاَتٍ مِ العَليقِ شَكِيما

طوراً تغيرُ وراءَ عانة َ شزَّباً
تردي وطوراً تطرقُ الدَّاروما

فبقيتَ منْ خلفٍ تكفَّلَ للعلى
أَلاَّ يَبِيتَ بِغَيْرِهَا مَهْمُوما

وحسامِ هيجاءٍ بهِ انحسمَ الأذى
وَحَياً يَسُحُّ الْمَكْرُماتِ هَزِيما

وليسلُ رتبتكَ العليَّة َ راغماً
منْ كانَ منْ درِّ الثَّناءِ فطيما

فَهِيَ النَّبَاهَة ُ لَنْ يَنَالَ عَظِيمَها
منْ لاَ يذودُ منَ الخطوبِ عظيما

أقسمتُ حلفة َ صادقٍ بمواهبٍ
غادرنني لذوي الثَّراءِ قسيما

لَوْلاَ ابْنُ مَحْمُودٍ لَعَاوَدَ رَوْضُها
مرعى الخطوبِ وحوضها مهدوما

بنداكَ أصبحَ حاسدي منْ كانَ لي
مِنْ قَبْلِ إِفْضَائِي إِلَيْكَ رَحِيما

ولديكَ قامَ بحقِّيَ الزَّمنُ الَّذي
مَا زِلْتُ أَعْهَدُهُ أَلَدَّ غَشُوما

فلأثنينَّ على سحابٍ غيثهُ
أغنى الفقيرَ وأنصفَ المظلوما

وَأُعِيذُ مَجْدَكَ مِنْ عَطَايَا جَمَّة ٍ
أَبْغِي لَهَا التَّكْمِيلَ وَالتَّتْمِيما

أوْ أنْ أُرى في غيرِ مكَّة َ محرماً
وَمِنَ الثِّيَابِ خَلَعْتَها مَحْرُوما

وَلوِ انْقَبَضْتُ عَنِ السُّؤَالِ لَحُقَّ لِي
وَإِذَا انْبَسَطْتُ فَقَدْ سَأَلْتُ كَرِيما

عَلَّمْتَنَا الطَّلِبَاتِ مِنْ بَعْدِ الغِنى
وَرُزِقْتَ شَيْخاً يَقْبَلُ التَّعْلِيما

فَکمْنُنْ وَلاَ تَلُمِ العُفَاة َ إِذَا هِيَ کشْـ
تطَّتْ فأنتَ أبحتها التَّحكيما

هلْ تخفقُ الآمالُ عندَ مملَّكٍ
يَهَبُ الأُلُوفَ وَيُقْطِعُ الإِقْلِيما

يَهَبُ الثَّناءَ وَمَالَهُ لِلْمُجْتَدِي
نهباً فكانَ الغانمَ المغنوما

والوفرُ نافعهُ الَّذي يُحبى كما
نَفْعَ الْمُثَقَّفِ أَنْ يُرى مَحْطُوما

بأبي المظفَّرِ عادَ ذلِّي عزَّة ً
والخوفُ أمناً والشَّقاءُ نعيما

بمصدِّقِ الأملِ الَّذي أنضيتهُ
أَرْجُو البَخِيلَ وَأَحْمَدُ الْمَذْمُوما

وأميلُ طوعَ نوائبٍ لمْ يستطعْ
عَضُّ الثِّقَافِ لِمَيْلِها تَقْوِيما

أُحْضِرْتُ مَجْلِسَهُ فَجَادَ بِنَائِلٍ
بارى بهِ التَّقريبَ والتَّكريما

دَرَّتْ خُلُوفٌ مَا مَرَاهَا حَالِبٌ
وهمتْ غيوثٌ ما امتطينَ غيوما

تُهْدِي بِرِيحِ الْمِسْكِ لاَ رِيحِ الصِّبا
نَشْراً وَتَسْقِي الْحَمْدَ لاَ التَّنُّومَا

ورأيتُ ثغرَ مواهبٍ متبسِّماً
أبداً وثغرَ مناقبٍ معصوما

لَوْ شَامَ ذِي الشِّيَمَ ابْنُ أَوْسٍ لَمْ يَبِتْ
جاراً لإسحقَ بنِ إبراهيما

أوْ راءَ أحنفُ وهوَ أحلمُ منْ مضى
ذا الحِلمَ آيسَ أنْ يُعدَّ حليما

أَوْ عَايَنَتَ ذَا الْجُودِ سُعْدى وابْنُهَا
أوسٌ لودَّتْ أنْ تكونَ عقيما

أيَّامُ هذا الملكِ أعيادق لنا
تَسْتَغْرِقُ التَّبْجِيلَ وَالتَّعْظِيما

فلقلَّ ما نشتاقُ عيداً ظاعناً
مَا دُمْتَ عِيداً لِلأَنَامِ مُقِيما

إِنَّ الْقَوَافِيَ لاَ عَدَتْكَ مَوَادِحاً
أمنتْ بكَ الإخفاقَ والتَّأثيما

فَمَنَعْتَهَا مَنْ كَانَ مَشْرَبُها بِهِ
كَدِراً وَمَرْتَعُهَا لَدَيهِ وَخِيما

لِلّهِ قَوْلٌ فِيكَ لَمْ أَكْسِبْ بِهِ
إثماً وظنٌّ لمْ يكنْ ترجيما

فلقدْ أنلتَ وما مطلتَ بنائلٍ
وَأَرى مِطَالَكَ بِالْمَحَامِدِ لُوما