شرفَ الملوكِ عدتْ معاليكَ المدى - ابن حيوس

شرفَ الملوكِ عدتْ معاليكَ المدى
فبقيتَ محروساً على رغمِ العدا

عَجَبَاً لِكَفِّكَ كَيْفَ تُمْطِرُهُمْ رَدَى ً
يومَ الكريهة ِ وَهيَ منْ سحبِ الندا

رُمْ مَا تَشَاءُ يَهُنْ عَلَيْكَ عَسِيرُهُ
وَابْغِ البَعِيدَ فَإِنَّهُ لَنْ يَبْعُدا

وَليهنكَ الظفرُ الذي بحلولهِ
ردَّ الضلالَ الحقُّ وَانتصرَ الهدا

وَطريدة ٍ للدهرِ أنتَ رددتها
قَسْراً فَكُنْتَ السَّيْفَ يَقْطَعُ مُغْمَدا

عَجَزَ الأَنَامُ وَذُدْتَ عَنْهَا قَاهِراً
زَمَناً سَطَا فِي عَصْرِ غَيْرِكَ وَاعْتَدا

فتحٌ تقدمَ كلَّ فتحٍ قبلهُ
ليكونَ في الآفاقِ مثلكَ مفردا

وَأَقَامَ لِلدِّينِ الحَنيفِ عِمَادَهُ
فَأَقَامَ عُبَّادَ المَسِيحِ وَأَقْعَدا

وَلَوِ انْتَحَاهُ سِوَاكَ لاَقى دُونَهُ
باباً بحدَّ المشرفية ِ موصدا

وَعصائباً كانوا أسودَ خفية ٍ
فَأَحَلْتَهُمْ مِثْلَ النِّعَامِ مُشَرَّدا

علموا بأنَّ نفوسهمْ مأسورة ٌ
فِي حِصْنِهِمْ وَبِغَيْرِهِ لاَ تُفْتَدا

زهدتهمْ فيهِ وَحقَّ لراغبٍ
وَجدَ الحمامَ مزهداً أنْ يزهدا

خَافُوا المُقَامَ بِمَنْبِحٍ فَتَيَمَمُوا
غَيْثَاً يُروِّي فِي المُحُولِ وَيُجْتَدا

وَغمامة ً سحتْ هناكَ صواعقاً
حَتّى إِذَا وَصَلُوكَ سَحَّتْ عَسْجَدا

وَجَرَيْتَ فِي سَنَنِ الوَفَاءِ فَلَوْ جَرى
يَبْغِي مَحَجَّتَكَ السَّموْءَلُ ما اهْتَدا

وَعَضَدْتَ بِآسْمِكَ أَهْلَ دِينِكَ قَاهِراً
أَنْصَارَ عِيسى مُذْ نَصَرْتَ مُحَمَّدا

وَلَقَدْ تَرَكْتَ الرُّومَ مِمَّا نالَهُمْ
متعوضينَ منَ المعاقلِ بالكدا

خَنَعُوا فَما امْتَنَعُوا فَكَيْفَ بِهِمْ إِذَا
زرتَ الخليجَ بكلَّ أسمرَ أملدا

فَکقْرَعْ بِها أَبْرَاجُ قُسْطَنْطِينَة ٍ
فَالمُنْتَهَى تَبَعٌ لِهذَا المُبْتَدا

وَاعلمْ بأنكَ ما تمرُّ ببيعة ٍ
فِي أَرْضِهِمْ إِلاَّ وَصَارَتْ مَسْجِدَا

في كلَّ أروعَ لا يراعُ إذا الوغى
شبتْ وَلاَ يعدى عليهِ إذا عدا

وَحليفِ عزًّ لاَ يلذُّ لهُ الكرى
إِنْ لَمْ يَبِتْ لِذِرَاعِهِ مُتَوَسِّدَا

ينفي الظلامة َ بالحديدِ مذلقاً
أبداً وَيجتابُ الحديدَ مسردا

وَإذا عزمتَ على قراعِ مخالفٍ
فاسللْ عليهِ منْ سيوفكَ أحمدا

سيفٌ تخيرهُ أبوكَ فراقهُ
في حالتيهِ مغمداً وَمجردا

عضدٌ إذا عدمَ المعاضدُ ناصحٌ
إِذْ يُسْتَشارُ مُظَفَّرٌ إِنْ أَنْجَدَا

بمضاءِ عزمكَ أدركَ العزَّ الذي
لاَ يُدَّعى وَبِيُمْنِ جَدِّكَ أُيِّدَا

وَكَفاهُ عِلْمُكَ أَنَّهُ الرَّجُلُ الَّذِي
فاتَ الكُفاة َ تَشَدُّدَا وَتَسَدُّدَا

إِنَّ الخِلاَفَة َ مُذْ دَعَتْكَ حُسَامَها
وردتْ بحدكَ منهلاً لنْ يوردا

فَلْيَشْكُرَنَّكَ مَنْ تَعِبْتَ مُشَمِّراً
كَيْ يَسْتَرِيحَ وَمَنْ سَهِرَتْ لَيَرْقُدَا

كَانَتْ مَوَاهِبُهُ بَوَادِيءَ عُوَّدا
وَتبيتُ أنجمهُ لسعيكَ حسدا

وَلوَ أنَّ أيامَ الزمانِ نواطقٌ
شَهِدَتْ بِفَضْلِكَ قَبْلَ أَنْ تُسْتَشْهَدَا

دَانَتْ لَكَ الدُّنْيا وَأَذْعَنَ أَهْلُها
فَعَنا القَريبُ لِما أَخَافَ الأَبْعَدا

لمَ لاَ يطيعكَ منْ رآكَ لنفعه
متعمداً وَلجرمهِ متغمدا

فَإِذَا شَكا فَقْراً بَذَلْتَ لَهُ الغِنى
وَإِذَا جَنى خَطَأً صَفَحْتَ تَعَمُّدا

إنَّ الملوكَ تأخروا عنْ غاية ٍ
أدلجتَ تطلبها وَباتوا هجدا

تَرَكُوا لَكَ العَلْيَاءَ عَجْزاً لاَ رِضى ً
وَنَسُوا السِّيَادَة َ مُذْ مَنَعْتَ السُّؤْدُدا

مَازِلْتَ تَرْعَاهُ بِعَيْنَيْ أَجْدَلٍ
وَسواكَ يرمقهُ بعينيْ أرمدا

لَمْ يَثْنِ عَزْمَكَ أَنْ وَجَدْتَ طَرِيقَة ُ

وَمتى يشاطركَ السموَّ مشاطرٌ
والجُودُ وَالإِقْدَامُ مِنْكَ تَوَلَّدا

وَحَمَيْتَ مَا مَلَكُوا فَمَا بَالي أَرى
ما حزتهُ في المكرماتِ مبددا

مالٌ نداكَ عدوهُ لاَ يحتمي
ملكٌ سطاكَ عقالهُ لنْ يشردا

وَلَطَالَمَا وَجَدَتْ يَدَيْكَ عِطَاشُهُمْ
أندى من الديمِ الغزار وَأجودا

لَوْ أَنَّهُمْ جَحَدُوكَ مَا أَوْلَيْتَهُمْ
لأبى لعرفكَ عرفهُ أنْ يجحدا

أَنْتَ ابْتَدَعْتَ بِهَذِهِ الشِّيَمِ العُلى
فمنِ اهتدى في سبلها فبكَ اقتدا

مَلِكٌ إِذَا بَتَلَ المُلُوكُ هِبَاتِهِمْ

وَهِيَ المَآَثِرُ لَنْ يَنَالَ بَعِيدَهَا
مَنْ لَمْ يَطِبْ كَأَبِي المُظَفَرِ مَوْلِدا

وَإذا المنى أمتْ نداهُ عوانساً
عوناً أعادتها عذارى نهدا

أَغْنَاهُ أَنْ يَعِدَ ابْتِدَارُ نَوَالِهِ
وَكَفَاهُ صَادِقُ عَزْمِهِ أَنْ يُوعِدا

مَا أَدْرَكَتْ أَشْيَاخُهُ وَهُمُ الأُلى
شَرُفُوا وَعَزُّوا مَا حَوَاهُ أَمْرَدا

يَزْدَادُ قَدْرُكَ فِي النُّفُوسِ جَلاَلَة ً
أبداً إذا ما الفكرُ فيكَ ترددا

رويتَ بالجدوى رسوماً أثمرتْ
هذَا الثَّنَاءَ وَكَمْ سَدى ً يَمْضِي سُدا

وَأَرَيْتَنِي طُرُقَاتِهِ فَوَجَدْتَنِي
أُرْضِيكَ نَاظِمَ قِطْعَة ٍ وَمُقَصِّدا

لمَ لاَ أبالغُ في مديحكَ مطنباً
وَإِذَا غَلَوْتُ أَمِنْتُ أَنْ أَتَزَيَّدا

وَرِياضُ شُكْرِي فِي ذَرَاكَ أَنِيقَة ٌ
عنيَ الغمامُ بها فلنْ تشكو الصدا

لاَ رَاعَتِ الأَيَّامُ دِيناً أَمْنُهُ
مِمَّا تَخَوَّفَ أَنْ تَعِيشَ مُخَلَّدا

وَعدتكَ أحداثُ الزمانِ إذا عدتَ
وَفَدَتْكَ أَرْوَاحُ الأَنَامِ مِنَ الرَّدا