مَحَلُّكَ مِنْ مَحَلِّ الشَّمْسِ أَعْلا - ابن حيوس

مَحَلُّكَ مِنْ مَحَلِّ الشَّمْسِ أَعْلا
فَهَلْ يَئِسَ الْمَنافِسُ فِيهِ أَمْ لا

وما استفهمتُ شكّاً لمْ بغاهُ
فَمَا وَجَدَ الطَّرِيقَ إِلَيْهِ سَهْلا

ضربتَ لحوزِ أعشارِ المعالي
فَكانَ لَكَ الرَّقِيبُ مَعَ الْمُعَلاّ

سَمَتْ بِكَ هِمَّة ٌ كَسَبَتْكَ ذِكْراً
وَسَمْتَ بِها الزَّمَانَ وَكانَ غُفْلا

فطلْ منْ شئتَ منزلة ً فإنَّي
أَرى كُلاًّ عَلَى ذَا الْمَجْدِ كَلاّ

عَلَوْتَ يَفَاعَهُ يَفَعاً وَيَأْبى
إِباؤُكَ أَنْ تُدَانى فِيهِ كَهْلا

وَبَعْدَ الْحِرْصِ لاَ بَعْدَ التَّوَانِي
تَخَلّى عَنْ مَكانِكَ مَنْ تَخَّلاَّ

أضيفَ لهمْ إلى الطَّلبِ اجتهادٌ
فَكَانَ عَلى تَخَلُّفِهِمْ أَدَلاّ

فَلاَ تَلْحَوْا عَزِيماتٍ إِذَا مَا
أرادتْ نقضَ حبلكَ زادَ فتلا

فَمَنْ ذَا يُلْزِمُ النَّكْبَاءَ ذَنْباً
إذا لمْ تستطعْ للهضبِ نقلا

ألستَ ابنَ الألى جادتْ ثراهمْ
سماءُ المجدِ تسكاباً وهطلا

إِذَا نَزَلَ الرَّجَاءُ بِهِمْ أَزَالُوا
عَسى مِنْ قَوْلِهِمْ وَنَفَوْا لَعَلاّ

أَفَادُوا الْفَخْرَ بِالأَمْوَالِ جُوداً
لِطَالِبِها وَبِالأَعْرَاَضِ بُخْلا

مصاعبُ بوِّئتْ روضَ المعالي
رَعَتْهُ مُصَوّحاً وَرَعَتْهُ بَقْلاَ

بِأَرْضٍ أَنْبَتَتْ كَرمَاً وَبَاْساً
جناهُ العزُّ لا نشماً ورغلا

سموا زمنَ الحياة ِ فلمْ يساموا
وَسَامُوا الدَّهْرَ طَاعَتَهُمْ فَذَلاَّ

وغابوا في صفائحَ لمْ تغيِّبْ
صَحَائِفَ مَا أَقَامَ الدَّهْرُ تُتْلا

عُلى ً حَلِيَ الزَّمَانُ بِهَا وَلكِنْ
بِمِثْلِ صِفاتِ مَجْدِكَ مَا تَحَلاَّ

فداؤكَ عالمٌ لمْ تبقِ فيهمْ
مروعاً بالخطوبِ ولاَ مقلاّ

إِذَا لاَذُوا بِجُودِكَ فِضْتَ جُوداً
وإن عاذوا بحلمكَ فضتَ عدلا

فَيَا أَوْفى الْمُلُوكِ حِجى ً وَحِلماً
وأطيبهمْ ندى ً وثناً وأصلا

وَأَخْشَعُهُمْ إِذَا صَلّى فُؤَاداً
وَأَشْجَعَهُمْ إِذا مَا السَّيفُ صَلاّ

لَقَدْ وَلاَّكَنَا مَوْلى ً رَؤُوفٌ
فأكرمْ بالمولِّي والمولى

فمنذُ حللتَ ذا البلدَ استقلَّتْ
غَمَائِمُ ضُمِّنَتْ خَوْفاً وَمَحْلا

وَمَا حَمَّلْتَ نَفْسَكَ فِيهِ وِزْراً
ولاَ حمَّلتَ عزَّكَ فيهِ ثقلا

وَكُلُّ سِعَايَة ٍ أَعْرَضْتَ عَنْهَا
كأنَّكَ سامعٌ في الجودِ عذلا

حَمَيْتَ مُشَمِّراً وَقَهَرْتَ مَنْعاً
وَجُدْتَ مُيَسِّراً فَغَمَرْتَ بَذْلا

بأرضٍ لوْ عداكَ الحكمُ فيها
لَمَا تَرَكَ الأَعَرُّ بِهَا الأَذَلاّ

وَمَنْ لَزِمَ التُّقى قَوْلاً وَفِعلاً
تولّى اللهُ عصمة َ ما تولّى

رأيتُ حسامكَ الحاكيكَ قطعاً
إِذَا سَفَكَ الدَّمَ الْمَمْنُوعَ طُلاَّ

ومالكَ ما أراقَ دماً حراماً
وكمْ ألزمتهُ قوداً وعقلا

تُحَمِّلُكَ الْمَكارِمُ كُلَّ عِبءٍ
فَتُلْفى مُسْتَقِلاً مُسْتَقِلاّ

وَإِنْ طَالَ الْكَلاَمُ بِلا صَوَابٍ
أصبتُ لديكَ أدنى القولِ فصلا

بَيَانٌ وَاضِحٌ وَنَدى بَنَانٍ
غمرتَ تفضُّلاً وبهرتَ فضلا

فَطَوراً تُعْجِزُ الْحُكَماءَ قَوْلاً
وَطَوْراً تُعْجِزُ آلْكُرَمَاءَ فِعْلا

وما انتصرتْ بكَ الخلفاءُ إلاَّ
وقدْ وجدتكَ أوفى الخلقِ إلاَّ

فأنتَ ولنْ تدافعَ عنْ مساع
تظلُّ لشاردِ العلياءِ عقلا

أمينهمُ على الوفرِ الَّذي لوْ
تولّى أمرهُ ملكٌ لغلاّ

وَنَاصِرُهُمْ عَلى النُّوَبِ الّتي لَوْ
رآها الموتُ مقبلة ً لولّى

وَسَيْفَهُمُ الَّذي قَهَرَ الأَعادِي
فأغمدَ كلَّ سيفٍ منذُ سلاّ

امتَّ جميعَ منْ عاداكَ خوفاً
لِتَفْضُلَ مَنْ أَماتَ عِدَاهُ فَلاّ

عَزَائِمُ طالَما فَرَّجْتَ كَرْباً
بِماضِي حَدِّها وَقَتَلْتَ قَتْلا

فَما تَرَكَتْ بِقَلْبِ الدِّينِ غِلاّ
ولاَ أبقتْ لجيدِ الحقِّ غلاّ

وَأَنْتَ جَمَعْتَ شَمْلَ الأَمْنِ فِينا
فلاَ شتَّتْ لكَ الأيَّامُ شملا

وَلاَ زَالَ الأَمِيرُ أَبُو عَلِيٍّ
يجدُّ ثيابَ عزٍّ ليسَ تبلا

لقدْ عفَّتْ سعادتهُ فدامتْ
على ما ظنَّهُ الحسَّادُ جهلا

فأثمرَ ظنُّنا صدقاً وحقّاً
وَأَثْمَرَ ظَنُّهُمْ مِيناً وَبُخْلا

فأفئدة ٌ بماءِ الفوزِ تسقى
وأفئدة ٌ لظى النِّيرانِ تصلا

وَلَمْ يَعْدِلْ بِهِ الإِرْجافُ عَمَّا
رآهُ لهُ إمامُ العصرِ أهلا

وَخَوَّلَهُ مَعَ التَّقْرِيبِ نَعْتاً
لِيَرْفَعَ ذِكْرُهُ اللَّقَبَ الأَجَلاّ

وما العلمَ المشيرَ إلى طرازٍ
نَحا لكِن نَحا الْعَلَمَ الْمُظِلاّ

وما مدحتْ بهِ الخنساءُ صخراً
مشبِّهة ً لهُ فعلاَ محلاّ

وَلَيْسَ بِرَأْسِ ذَا نارٌ ولكِنْ
بِنُورِ جَبِينِهِ الظُّلُماتُ تُجْلا

وأعظمَ أهلُ مصرٍ ما رأوهُ
فصارَ حديثهُ للقومِ شغلا

وقالوا ما عهدنا الشَّمسَ عرساً
فَقُلْتُ وَلاَ عَهِدْنا الْبَدْرَ بَعلا

فليتَ حلولَ هذا الأمنِ أضحى
لحتفِ الكارهينَ لهُ محلاّ

بشائرُ أتعبتْ رندا فلولا
مَسَرَّتُهُ بِما ضَمِنَتْ لَكَلاَّ

فَبُشْرى نِقْسُها رَطْبٌ وَأُخْرى
تخطُّ وأختها في الحالِ تملا

أَحادِيثٌ عَرَفْناها يَقِيناً
فَزَالَ الشَّكُّ فِيها وَاضْمَحَلاّ

ألذُّ منَ الغناءِ لسامعيهِ
وممَّا في بطونِ النَّحلِ أحلا

حَلَتْ لِلنَّاطِقِينَ بِها فَظَنُّوا
حَماماً طارَ بِالأَخْبَارِ نَحلا

وأصبحَ شائعاً خبرُ التّداني
فكشَّفَ كلَّ داجية ٍ وجلاّ

أَدَالَ مِنَ المَساءَة ِ ما تَوَلّى
وردَّ منَ المسرَّة ِ ما تولّى

فسقياً في البعادِ لهُ ورعياً
وَأَهْلاً فِي الدُّنُوِّ بِهِ وَسَهْلا

فَلا تَجْعَلْ لِمَقْدَمِهِ أَوَاناً
عليهِ الطَّالعُ المختارُ دلاّ

وَأَبْعِدْ أَنْ تُدَبِّرَهُ نُجُومٌ
تَمَنّى أَنْ تَحُلَّ بِحَيْثُ حَلاّ

تَهَادَاهُ الْقُصُورُ وَإِنْ تَشَكّى
أليمَ الشَّوقِ ما عنهُ استقلاّ

فَقَصْرٌ مِنْهُ بِالفُسْطاطِ يَخْلُو
وَشَروَاهُ لَهُ بِدِمَشْقَ يُخْلا

فعشتَ لهُ وعاشَ بلاَ نظيرٍ
يكاثرُ تغلباً عزّاً ونبلا

وَذَا الْعِيدُ السَّعِيدُ فَأَنْتَ فِيهِ
منَ الحسناتِ أوفى النَّاسِ كفلا

يقرُّ بذاكَ منْ صلّى وزكّى
ويشهدُ كلُّ منْ شهدَ المُصلّى

تَعَمَّدْتُ الإِطالَة َ عَنْ يَقِينٍ
بِأَنَّ سَمَاعَ وَصْفِكَ لَنْ يُمَلاّ

وَيَالَيْتَ الكَلاَمَ وَفى بِشُكْرِي
حَياً مَا شِمْتُهُ إِلاَّ اسْتَهَلاّ

سواكَ يزيدهُ المدَّاحُ مجداً
وَغَيْرُكَ بِاسْتِماعِ الْمَدْحِ حُلاَّ

يُعلّى العودُ كيْ يزدادَ طيباً
وَيَأْبَى کلنَّدُّ طِيباً أَنْ يُعَلاَّ

بقيتَ منَ الخطوبِ لنا مُديلاً
وَإِنْ رَغِمَ الْعِدى وَلَهُمْ مُذِلاّ