قِفُوا فِي القِلى حَيْثُ انتَهَيْتُمْ تَذَمُّما - ابن حيوس

قِفُوا فِي القِلى حَيْثُ انتَهَيْتُمْ تَذَمُّما
وَلاَ تَقْتَفُوا مَنْ جَارَ لَمَّا تَحَكَّما

أَرى كُلَّ مُعْوَجِّ الْمَوَدَّة ِ يُصْطَفى
لَدَيْكُمْ وَيَلْقى حَتْفَهُ مَنْ تَقَوَّما

فَإِنْ كُنْتُمُ لَمْ تَعْدِلُوا إِذْ حَكَمْتُمُ
فلمْ تعدلوا عنْ مذهبٍ قدْ تقدَّما

حَنى النَّاسُ مِنْ قَبْلُ القِسِيَّ لِتُقْتَنى
وثقِّفَ منآدُ القنا ليُحطَّما

وَمَا ظَلَمَ الشَّيْبُ الْمُلِمُّ بِلِمَّتي
وإنْ بزَّني حظِّي منَ الظَّلمِ واللَّما

وَمَحْجُوبَة ٍ عَزَّتْ وَعَزَّ نَظِيرُها
وإنْ أشبهتْ في الحسنِ والعفَّة ِ الدُّما

أُعَنِّفُ فِيها صَبْوَة ً قَطُّ ما ارْعَوَتْ
وأسألُ عنها معلماً ما تكلَّما

سَلِي عَنْهُ تُخْبِرْ بِاليَقِينِ دُمُوعُهُ
وَلاَ تَسْأَلِي عَنْ قَلْبِهِ أَيْنَ يَمَّما

فقدْ كانَ لي عوناً على الصَّبرِ برهة ً
وَفَارَقَنِي أَيَّامَ فارَقْتُمُ الْحِما

فراقٌ قضى ألاَّ تأسِّيَ بعدَ أنْ
مَضى مُنْجِداً صَبْرِي وَأَوْغَلْتُ مُتْهِما

وفجعة ُ بينٍ مثلُ صرعة ِ مالكٍ
ويقبحُ بي ألاَّ أكونَ متمِّما

خليليَّ إنْ لمْ تسعداني على الأسى
فَما أَنْتُما مِنِّي وَلاَ أَنا مِنْكُما

وَحَسَّنْتُما لِي سَلْوَة ً وَتَناسِياً
ولمْ تذكرا كيفَ السَّبيلُ إليهما

سَقى اللَّهُ أَيَّامَ الصِّبا كُلَّ هاطِلٍ
مُلِثٍّ إِذَا ما الْغَيْثُ أَنْجَمَ أَثْجَما

وَعَيْشاً سَرَقْناهُ بِرَغْمِ رَقِيبِنا
وقدْ ملَّ منْ طولِ السُّهادِ فهوَّما

بِمَعْصُورَة ٍ وَالدَّهْرُ ما اصْفَرَّ عُودُهُ
فَيُلْوِي وَما أَلوَى بِعادٍ وَجُرْهُما

أَرَاحَتْ مِنَ الْهَمِّ الدَّخِيِل وَشَجَّعَتْ
جباناً وسنَّتْ للبخيلِ التَّكرُّما

وشادٍ جزاهُ اللهُ روحاً ورحمة ً
إِذَا ما اسْتَحَقَّ الْمُحْسِنُونَ التَّرَحُّما

فَلَسْتَ تَرى إِلاَّ يَداً صافَحَتْ يَداً
لإِنْجازِ وَعْدٍ أَوْ فَماً لاَثِماً فَما

بِأَذْيالِ دَوْحٍ نَيْرَبِيٍّ كَأَنَّهُ
سماءُ دجى ً أبدتْ منَ النَّورِ أنجما

إِذَا قَابَلَتْ شَمْسُ الأَصائِلِ ما عَلا
تدنَّرَ أوْ بدرُ الظَّلامِ تدرهما

إلامَ أمِّني النَّفسَ مالاَ تنالهُ
وَأَذْكُرُ عَيْشاً لَمْ يَعْدُ مُذْ تَصَرَّما

وقدْ قالتِ السَّبعونَ للَّهوِ والهوى
دعا لي أسيري واذهبا حيثُ شئتما

وَلَمَّا رَأَيْتُ الْخَيْرَ عَزَّ مَرَامُهُ
رَفَضْتُ التَّأَنِّي وَاطَّرَحْتُ التَّلَوُّما

ونكبتُ أمواهاً يعزُّ ورودها
فأنقعُ للظَّمآنِ منْ وردها الظَّما

وأعلمتُ منْ فارقتُ أنَّ لقاءنا
بعيدٌ وأعملتُ المطيَّ المزمَّما

قِلاصاً إِذَا رَامَتْ خَلاَصاً مِنَ السُّرى
مَرَقْنَ فَأَنْكَرْنَ الْجَدِيلَ وَشَدْقَما

وَلَمْ يُرْضِها وَخْدُ الْمَهارى تَعاطِياً
عليها فأستنَّ النَّعامَ المصلَّما

تَيَمَّمْتُ لَمَّا أَعْوَزَ الْماءُ طاهِراً
فيمَّمنَ بي بحراً كفاني التَّيمُّما

وَمُذْ وَصَلَتْ تاجَ الْمُلُوكِ أَنَخْتُها
بأرفعهمْ بيتاً وأمنعهمْ حما

وَأَشْرَفَ مِنْ شَمْسِ الظَّهِيرَة ِ رُتْبَة ً
وَأَشْرَقَ أَنْوَاراً وَأَبْعَدَ مُرْتَماً

منَ القومِ لا يغضونَ يوماً على قذى ً
وَلاَ يَأْخُذُونَ العِزَّ إِلاَّ تَغَشْرُما

وَفِي ظِلِّ مَحْمُودِ بْنِ نَصْرِ بْنِ صالِحٍ
مَرَاقٍ لِمَنْ يَبْغِي إِلى الْمَجْدِ سُلَّما

وها أنا ذا مستعصمٌ بجنابهِ
أماثلُ منْ أغنى نداهُ ومنْ حما

همامٌ إذا أعطى الرَّغائبِ كرَّها
مِرَاراً وَإِنْ لاَقى الكَتائِبَ أَقْدَما

وأروعُ إنْ أمَّ العفاة ُ فناءهُ
أزالَ عسى منْ قولهِ ولعلَّما

نَزَلْتُ بِهِ وَالسَّيْلُ قَدْ بَلَغَ الزُّبى
فَأَسْكَنَنِي طَوْداً مِنَ العِزِّ أَيْهَما

بأبناءِ مرداسٍ وحسبكَ نصرهمْ
تَعَمَّرَ جُوداً كَانَ قِدْماً تَجَلْهَما

وَزَادَ إِلى أَنْ طَبَّقَ الْوَهْدَ سَيْبُهُ
وَلَمْ يَرْضَ أَحْقَافَ الرُّبى فَتَسَنَّما

فِدَاكَ وَقَدْ يُفْدى الْكَرِيمُ بِضِدِّهِ
إِذَا لَمْ يَجِدْ فِي عَصْرِهِ مَنْ تَكَرَّما

مَنِيعُ حِمى الْمَعْرُوفِ طالِبُ رِفْدِهِ
يُمارِسُ لَيْثاً أَوْ يُلاَمِسُ شَيْهَما

وَصائِنُ زَادٍ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَرُومُهُ
لهُ طمعاً فيهِ ولاَ منهُ مطمعا

ذَوُو الْمُلْكِ يَتْلُو آخِرٌ نَهْجَ أَوَّلٍ
وأنتَ براكَ اللهُ وحدكَ ملهما

عَلَوْتَهُمُ خَلْقاً وخُلْقاً وَهِمَّة ً
وأَيْنَ وِهادُ الأَرْضِ مِنْ صَهْوَة ِ السَّما

وَذُدْتَهُمُ عَمَّا رَضِيتَ مِنَ العُلى
وغادرتَ ما لمْ ترضَ منها مقسَّما

فلاَ يعظمِ النَّاسُ الملوكَ جهالة ً
فَإِنَّ الْعَظِيمَ مَنْ يَرُوقُ الْمُعَظَّما

تقولُ العدى زارَ انتقاماً بزعمهمْ
وهلْ زارَ هذي الأرضَ إلاَّ لينعما

رَعى اللّهُ ما قَدَّمْتَ قَبْلَ لِقائِهِ
فَأَدْناكَ تَبْجِيلاً وَنادَاكَ مُكْرِما

أتاكَ فقالوا جاءنا متسلِّما
وَعَادَ فَقَالُوا بَلْ أَتَاهُ مُسَلِّما

وفاهَ بأقوالٍ تضاهي فعالهُ
أَعَزَّكَ فِيها ظَاعِناً وَمُخَيِّما

وتابعَ آراءَ الخلافة ِ قاضياً
بِتَكْذِيبِ ظَنٍّ كانَ فِيكَ مُرَجَّما

إِذَا رَامَ أَرْضاً بَثَّ فِي كُلِّ مَسْلِكٍ
مخوفَ الشَّذى يزجي خميساً عرمرما

تحيطُ بهِ منْ كلِّ قترٍ غمامة ٌ
صوارمها برقٌ وتنهلُّ أسهما

تَرى لِلِدَانِ السَّمْهَرِيَّة ِ فَوْقَهُ
سَدَى ً بِمُثَارِ الأَعْوَجِيَّة ِ أُلْحِما

عجاجٌ إذا أمَّ المجرَّة َ صاعداً
إِلَيْهَا رَمى عَيْنَ الغَزَالَة ِ بِالْعَما

يبيتُ لأنوارِ الكواكبِ كاسفاً
وَيُضْحِي بِهِ وَجْهُ النَّهارِ مُلَثَمَّا

وَلَوْ أَنَّ ذَا القَرْنَيْنِ يُمْنى بِبَعْضِ مَا
مُنِيتَ لَوَلّى هَارِباً أَوْ لَسَلَّما

ثَبَتَّ فَلَمَّا أَوْضَحَ الرَّأْيُ نَهْجَهُ
طَفَوْتَ عَلَى الْبَحْرِ الْمُحِيطِ وَقَدْطَما

وَذُدْتَ مَخُوفَاتِ الْخُطُوبِ مُجَامِلاً
فَعَادَ سَحِيلاً كُلُّ مَا كانَ مُبْرَما

كَفَيْتَ السُّيُوفَ أَنْ تَرِيمَ غُمُودَها
وَشِمْتَ مِنَ التَّدْبِيرِ أَبْيَضَ مِخْذَما

لئنْ وضعتْ عنها الجيادُ سروجها
لَقَدْ أُسْرِجَ الرَّأْيُ الأَصِيلُ وَأُلْجِما

إِلى أَنْ حَسَمْتَ الدَّاءَ أَعْيَا دَوَاؤُهُ
سواكَ ولوْ كانَ المسيحَ ابنَ مريما

وأعربتَ عنْ فضلِ الخطابِ مباشراً
وَلَوْ أَنَّ سَحْبَاناً مَكانَكَ أُفْحِما

مَقالٌ يَرُوقُ السَّامِعِينَ شَفَعْتَهُ
بمرأى ً يروقُ النَّاظرَ المتوسِّما

وَسَكَّنْتَ عَنْ حَزْمٍ زَعَازِعَكَ الَّتي
إِذَا عَصَفَتْ كانَتْ أَعَادِيكَ خَشْرَما

فقلَّدكَ الشَّامَ الَّذي قلَّدتكهُ
ظباكَ فشدَّ الآخرُ المتقدِّما

لعمري لقدْ حلَّتْ رعاياكَ هضبة ً
تطاولُ رضوى بلْ تطولُ يلملما

أَوَانَ أَحَلْتَ الْخَوْفَ أَمْناً بِعَزْمَة ٍ
أَحَلَّتْ لَهَا النَّوْمَ الَّذِي كانَ حُرِّما

أَعَدْتَ لَهُمْ حُبَّ الْحَيَاة ِ فَعَادَ فِي
اغْتِباطٍ بِها مَنْ كانَ مِنْهَا تَبَرَّمَا

وَفِيما مَضى حَابَوْكَ بِالحُبِّ رَهْبَة ً
فأنعمتَ حتّى خالطَ اللَّحمَ والدَّما

وأعرضتَ عنْ قولِ السُّعاة ِ نزاهة ً
إلى أنْ ظننَّاهمْ على الجودِ لوَّما

وَمَنْ ظَافَرَ السَّاعِي عَلى مَا يَقُولُهُ
فمنْ قولهِ استملى وعنْ قوسهِ رما

وما الدَّهرُ إلاَّ طوعُ أمركَ راغماً
جنى أبؤساً أو بثَّ في الخلقِ أنعما

إِذَا عَادَ عَنْ سُوءٍ فَأَنْتَ نَهَيْتَهُ
وَإِنْ جَاءَ إِحْسَاناً فَمِنْكَ تَعَلَّما

وَمَا جَادَتِ الْخَضْرَاءُ إِلاَّ تَغَيَّمَتْ
فللهِ نوءٌ لا يغيمُ إذا هما

حَلَلْتَ وَإِنْ سِيئَتْ عِدَاكَ مَحَلَّة ً
يَعُودُ حَسِيراً مَنْ إِلى سَوْمِهَا سَما

لئنْ كانَ أدناها عسيراً على الورى
فما زالَ أقصاها إليكَ مسلَّما

تَبِيتُ بِهَا فَوْقَ السِّمَاكِ مُطَنِّباً
فلاَ رئيتْ حتّى القيامة ِ أيِّما

بنفسكَ طاولْ غالباً لاَ مغالباً
ذوي المجدِ واتركْ منْ إذا طاولَ انتما

كفى صالحاً فخراً أبوكَ وكونهُ
لهُ ابناً ونصراً أنْ تكونَ لهُ ابنما

ويكفي كلاباً وهوَ ميتٌ وعمَّهُ
نُمَيْراً حَيَاة ً أَنَّ جَدَّيْكَ مِنْهُما

وَمَا عَنَّ هُجْرُ الْقَوْلِ إِلاَّ تَأَخَّرَا
ولاَ كرهَ الإقدامُ إلاَّ تقدَّما

وإنْ كنتَ قدْ أنسيتَ بالبأسِ والنَّدى
وقهرِ العدى ما شاعَ في الأرضِ عنهما

وَما إِنْ رَأَيْنَا قَبْلَ سَيْفِكَ عَقْرَباً
يُعَفِّرُ أَيْماً أَوْ يُجَدِّلُ ضَيْغَما

لعمري لقدْ أوسعتني منْ كرامة ٍ
أضاءَ بها الحظُّ الَّذي كانَ أظلما

وأوضحتَ لي بالبشرِ ما أنتَ مضمرٌ
وَأَظْهَرْتَ بِالتَّقْرِيبِ مَا كَانَ مُبْهَما

وَإِنَّ عَطَايَا الأَكْرَمِينَ مَلاَبِسٌ
وَأَفْخَرُهَا مَا كانَ بِالبِشْرِ مُعْلَما

سأشكرُ رأياً منقذيّاً أحلَّني
ذَرَاكَ لَقَدْ أَوْلى جَمِيلاً وَأَنْعَما

وأبسطُ فيما قلَّدَ ابنُ مقلَّدٍ
لساناً إذا لاقى الضَّريبة َ صمَّما

عطفتَ عليهِ كابتاً كلَّ حاسدٍ
وَكُنْتَ بِهِ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ أَعْلَما

وَأَسْمَعْتَنِي مِنْ حُسْنِ رَأْيِكَ فِيهِ مَا
أزالَ التَّشكِّي بلْ أماطَ التَّلوُّما

هُوَ العَبْدُ إِنْ جَرَّدْتَهُ شَهِدَ الْوَغى
حُسَاماً وَإِنْ أَشْرَعْتَهُ كَانَ لَهْذَما

على أنَّهُ لا فُلَّ غربُ لسانهِ
مدى الدَّهرِ لا تحتاجُ منهُ مترجما

لَقَدْ لَؤُمَ الدَّهْرُ الَّذِي عَنْكَ عَاقَنِي
وإنْ لمتهُ منْ بعدِ ذا كنتُ ألأما

سَأُثْنِي بِما أَوْلَيْتَ فِي كُلِّ مَوْقِفٍ
يراني فيهِ الجاهليَّ المخضرما