سَرَى البَرْقُ وَالَّليْلُ يُدْني خُطاهْ - الأبيوردي

سَرَى البَرْقُ وَالَّليْلُ يُدْني خُطاهْ
فَباتَ على الأَيْنِ يَلْوي مَطاهْ

ولاحَ كما يقتذي طائرٌ
ولم يستطع من كلالٍ سراه

فمالَ على ساعديهِ الغريبُ
بخدِّيهِ حتّى ونى مرفقاه

وَحَنَّ إلى عَذّباتِ اللِّوى
وَوادي الحِمى وَإلى مُنْحَناهْ

وَهَلْ يَسْتَنيمُ إلى سَلْوَة ٍ
أخو شَجَنٍ أَجْهَضَتْهُ نَواهْ

فشامَ بأروندَ ذاكَ الوميضَ
وأينَ سناهُ؟ بنجدٍ سناه

ومن دونهِ أمدٌ نازحٌ
إذا أمَّهُ الطَّرفُ أوهى قواه

فهل مِن مُعينٍ على نَأْيِهِ
بِنَظْرَة ِ صَقْرٍ رأَى ما ابْتَغاهْ

وطارَ على إثرهِ فامتطى
سَراة َ نَهارٍ صَقيلٍ ضُحاهْ

فَها هُوَ يَذْكُرُ مِلْءَ الفُؤادِ
زَماناً مَضى وَشَباباً نَضاه

ومرتبعاً بالحمى والنَّعيـ
ـمُ يلقي بحاشيتيهِ عصاه

هنالكَ ربعٌ تشيمُ الأسو
دُ فيهِ لَواحِظَها عَنْ مَهاهْ

ويختالُ في ظلِّهِ المعتفونَ
وتندى على زائريهِ رباه

فهل أرينِّ بعيني المطيَّ
يَهُزُّ الذَّميلُ إليهِ طُلاهْ

ويسترجعُ القلبُ أفراحهُ
بهِ ويصافحُ جفني كراه

أمثلي- ولا مثلَ لي في الورى
وَلا لأُمَيَّة َ حاشا عُلاهْ-

تفوِّقني نكباتُ الزَّمانِ
عُفافَة َ ما أَسْأَرَتْهُ الشِّفاهْ 

وَفي مِدْرَعَي ماجِدٌ لا يَحُومُ
على نغبٍ كدراتٍ صداه

ويطوي الضُّلوعَ على غلَّة ٍ
إذا درَّعتهُ الهوانَ المياه

ولا يتهَّيبُ أمراً تشدُّ
عَواقِبُهُ بِالمَنايا عُراهْ

وإنْ تَقْتَسِمْ مُضَرٌ ما بَنَتْـ
ـهُ مِنْ مَجْدِها يَتَفَرَّعْ ذُراهْ

ولي همَّة ٌ بمناطِ النُّجومِ
وفضلٌ توَّشحَ دهري حلاه

وَسَطْوَة ُ ذي لبدٍ في العَريـ
ـنِ منضوحة ٍ بنجيعٍ سطاه

يحدِّدُ ظفراً يمجُّ المنون
إذا ساوَرَ القِرْنَ أَدْمى شَباهْ

ويوقدُ لحظاً يكادُ الكميُّ
- يَقْبِسُ والّليلُ داجٍ، لَظاهْ

سلي يابنة َ القومِ عمَّن تضمُّ
درعي وبردي عمَّا حواه

ففي تِلْكَ أَصْحَرُ يَغْشَى المَكَرّ
وفي ذاك أسحَمُ واهٍ كُلاهْ

أجرِّرُ أذيالها كالغديرِ
اذا ما النَّسيمُ اعْتَراهُ زَهاهْ

وقائمُ سيفي بمسكٍ يفوحُ
وَتَرْشَحُ مِنْ عَلَقٍ شَفْرَتاهْ

وتحتيَ أدهمُ رحبُ اللَّبانِ
حبيكٌ قراهُ، سليمٌ شظاه

كَسا الفَجْرُ مِنْ نُورِهِ صَفْحَتَيـ
ـهِ، واللَّيلُ ألبسهُ من دجاه

سَيَعْلَمُ دَهْرٌ عَدا طَوْرَهُ
على أيِّ خِرْقٍ جَنى ماجَناهْ

وأَيَّ غُلامٍ سَما نَحْوَهُ
ولم يسألِ المجدَ عن منتماه

أغرُّ، عزائمهُ من ظبا
أعرنَ التَّألُّقَ من مجتلاه

وَليسَ بِرِعْديدَة ٍ في الخُطوبِ
وَلا خَفِقٍ في الرَّزايا حَشاهْ

أتخشى الضَّراغمُ ذؤبانهُ
وتشكو الصُّقورُ إليهِ قطاه؟

ولَولا تَنَمُّرُهُ لِلْكِرامِ
لما فارقت أخمصيهِ الجباه

وَعِن كَثَبٍ يَتَقَرّى بَنيهِ
بما يعقدُ العزُّ فيهِ حباه

فيسقي صوارمهُ منهمُ
عَبيطَ دَمٍ، وَيُروِّي قَناهْ

ومن ينحسر عنهُ ظلُّ الغنى
ففي المَشْرِفِيّاتِ مالٌ وَجاهْ

فما للذَّليلِ يسامُ الأذى
وَيَخْشى الرَّدى ، لاوَقاهُ الإلهُ