أَصَاخَ الى الواشي فَلَبَّاهُ إذ دعا - الأبيوردي

أَصَاخَ الى الواشي فَلَبَّاهُ إذ دعا
وَقَدْ كانَ لا يُرْعي النَّمائِمَ مَسْمَعا

وَباتَ يُناجي ظَنَّهُ فِيَّ بَعْدَما
أَباحَ الهَوى مِنّي حِمى القَلْبِ أَجْمَعَا

وَأَبْدَى الرِّضى وَالعَتْبَ في أُخْرياتِهِ
وَمِنْ بَيِّناتِ الغَدْرِ أن يُجْمَعا مَعا

وَمَنْ ناوَلَ الإخْوانَ حبلاً مَشى البِلى
إلى طَرَفَيْهِ، هَمَّ أَنْ يَتَقَطَّعا

فَما غَرَّهُ مِنْ مُضْمِرِ الغِلِّ كاشِحٌ
إذا حَدَرَ الخَصْمُ اللِّثامَ تَقَنَّعا

سَعى بي إليه، لا هَدى الله سَعْيَهُ
وَلو نالَ عندي ما ابْتَغاهُ لمَا سَعى

وَحاوَلَ مِنّي غِرَّة ً حال دُونَها
مَكائِدُ تَأْبَى أَنْ أُغَرَّ وَأُخْدَعا

فَأَجْرَرْتُهُ حَبْلَ المُنى غَيْرَ أَنَّني
سَلَكْتُ بِهِ نَهْجَاً إلى الغَيِّ مَهْيَعا

وَلَمّا رَأَى أَنِّي تَبَيَّنْتُ غَدْرَهُ
وَأَدْرَكْتُ حَزْمَ الرَّأيِ فيهِ وَضَيَّعا

أَزارَ يَدَيْهِ ناجِذَيْهِ تَنَدُّماً
يُبَوِّئُهُ في باحَة ِ المَوْتِ مَصْرَعا

لَكَ الله مِنْ غُصْنٍ يُلاعِبُ عِطْفَهُ
وَبَدْرٍ يُناغي جِيدُهُ الشُّهْبَ طُلَّعا

تَجَلَّى لَنا وَالبَيْنُ زَمَّتْ رِكابُهُ
فَشَيَّعَهُ أرواحُنا حينَ وَدَّعا

وَشِيبَ بُكاءٌ بِابْتِسامٍ، وَأُدْمِيَتْ
مَسالِكُ أَنْفاسٍ يْقوِّمْنَ أَضْلُعا

وَلَمّا تَعانَقْنا فَذابَتْ عُقودُهُ
بِحَرِّ الجَوى ، صارَتْ ثُغوراً وأَدْمُعا

أَلا بِأَبي أُسدُ الحِمى وَظِباؤُهُ
وَمُنْعَرَجُ الوادي مَصِيفاً وَمَرْبَعَا

أَجُرُّ بِهِ ذَيْلَ الشَّبابِ، وَأَرْتَدي
بِأَسْحَمَ فَيْنانِ الذَّوائِبِ أَفْرَعا

مَعِي كُلُّ فَضْفاضِ الرِّداءِ سَمَيْدَعٍ
أُصاحِبُ مِنْهُ في الوَقائِعِ أَرْوعَا

غَذَتْهُ ربُا نَجدٍ فَشَبَّ كأَنهُ
شَبا مشرَفِيٍّ يَقْطُرُ السُّمَّ مُنْقَعا

يُريقُ إذا ارْتَجَّ النَّدِيُّ بِمَنْطِقٍ
كَلاماً كَأَنَّ الشِّيحَ مِنْهُ تَضَوَّعا

وَيُروي أَنابيبَ الرِّماحِ بِمَأزِقٍ
يَظلُّ غَداة َ الرَّوعِ بِالدَّمِ مُتْرَعا

عَرَكْتُ ذُنوبَ الحادِثاتِ بِجَنْبِهِ
فَهَبَّ مُشيحاً لا يُلائِمُ مَضْجَعَا

وَمَا عَلِقَتْ حَرْبٌ تُلَقَّحُ لِلرَّدى
بِأَصْبَرَ مِنْهُ في اللِّقاءِ وَأَشْجَعا

أَهَبْتُ، وَصَرْفُ الدَّهرِ يَحْرِقُ نابَهُ
بهِ آمِناً أَنْ أَسْتَقيمَ وَيَظْلَعا

فَأقْبَلَ كابنِ الغابِ، عَبْلاً تَلِيلُهُ
وَلَمْ يسْتَلِنْهُ القِرْنُ لِيتاً وَأَخْدَعا

يُريكَ الرُّبا لِلأَعوَجِيَّة ِ سُجداً
وَهامَ العِدا لِلْمَشرَفِيَّة ِ رُكَّعا

فَسَكَّنَ رَوعي، وَالرِّماحُ تَزَعْزَعت
وَخَفَّضَ جَأْشي، وَالعَجاجُ تَرَفَّعا

وَلّما رآني في تَميمٍ على شَفا
أُلاقي بَجَفْنَيَّ القَذى مُتَخَشِّعا

قَضى عَجَباً مِنّي وَمِنْهُمْ، وَبَيْنَنا
شَوافِعُ لا يَرضَى لَها المَجْدُ مَدْفَعا

وَهُنَّ القَوافي تَذْرَعُ الأَرضُ شُرَّداً
بِشِعرٍ إذا ما أَبْطَأَ الرّيحُ أَسْرَعا

يَروحُ لَها رَبُّ الفَصاحِة ِ تابِعاً
وَيَغْدو بِها تِرْبُ السَّماحَة ِ مُولَعا

وَلَم أَستَفِدْ مِنْ نَظْمِها غَيْرَ حاسِدٍ
إذا مارَمى لَمْ يُبْقِ فِي القَوْسِ مُنْزَعا

وَمَا أَنا مِمَّنْ يَمْلأُ الهَوْلُ صَدْرَهُ
وَإنْ عَضَّهُ رَيْبُ الزَّمانِ فَأَوجَعا

إذا ما غَسَلْتُ العارَ عَنِّيَ لَمْ أُبَلْ
نِداءَ زَعيمِ الحَيِّ بَشَّرَ أَوْ َنعى

لَعَزَّ عَلى الأَشرافِ مِنْ آلِ غالِبٍ
خُدودُ غَطاريفٍ تَوَسَّدْنَ أَذْرُعَا

نُنادِي أَميرَ المُؤْمِنينَ، وَدونَهُ
أَعادٍ يُزِجُّونَ العَقارِبَ لُسَّعا

أَيا خَيْرَ مَنْ لاذَ القَريضُ بِسَيْبِهِ
وَأَعْنَقَ مَدْحي في ذَراهُ وَأَوْضَعا

تُناطُ بِكَ الآمالُ وَالخَطْبُ فاغِرٌ
وَتُسْتَمْطَرُ الجَدْوى إذا المُزْنُ أَقْلَعا

وَتُغْضي لَكَ الأَبصارُ رُعْباً، وَتَنْثَني
إلَيكَ الهَوادي طائِعاتٍ وَخُضَّعا

بِحَيْثُ رَأَيْنا العِزَّ تَنْدَى ظِلالُهُ
وَمَجْدَكَ مُلْتَفَّ الغَدائِرِ أَتْلَعا

وَأَنْتَ الإمامُ المُسْتَضاءُ بِنُورِهِ
إذا اللَّيْلُ لَمْ يَلْفِظْ سَنا الصُّبْحِ أَدْرَعا

أَعِنِّي عَلى دَهْرٍ تَكادُ خُطوبُهُ
تُبَلِّغُ مَنْ يَضْرَر بِنا ما تَوَقَّعَا

فَقَدْ هَدَّ رُكْنَيَّ العَدُوَّ، ولم يكُنْ
يُحاوِلُ فينا قَبْلَ ذلكَ مَطْمعَا

أفي الحَقِّ أن يَسْتَرْقِعَ العِزَّ وَهْيَهُ
وَأنْ أَتَردّى بِالهَوانِ وَأَضْرَعا

وَيَرْتَعُ في عِرْضِي ويُقْبَلُ قَوْلُهُ
وَلَو رُدَّ عَنْهُ لَمْ يَجِدْ فيهِ مَرْتَعا

أما وَالمَطايا جائِلاتٍ نُسوعُها
مِنَ الضُّمْرِ حَتّى خالَها الرَّكْبُ أَنْسُعا

ضُرِبْنَ إلى البَيْتِ العَتيقِ، وَلَمْ تَقُلْ
لِناحِية ٍ منهُنَّ إذْ عَثَرتْ: لَعا

لَقد طَرَقَتْني النّائِباتُ بِحادِثٍ
لَوَانَّ الصَّفا يُرْمَى بِهِ لَتَصَدَّعا

وَلَسْتُ وإنْ عَضَّ الزَّمانُ بِغارِبي
أُطيلُ عَلى الضَّرَاءِ مَبكى ً وَمَجْزَعا

إذا ما أَغامَ الخَطبُ لَمْ أحتَفِلْ بِهِ
وَضاجَعْتُ فيهِ الصَّبْرَ حَتَّى تَقَشَّعا

أُراعُ ولَمْ أُذنِبْ، وأُجفى وَلَمْ أُخنْ
وَقَدْ صُدِّقَ الواشي فَأَخْنى وَأَقْذَعا

وَمِنكُمْ عَهِدنا الوِرْدَ زُرقاً جُمامُهُ
رَحيبَ مُنَدّى العيسِ، وَالرَّوضَ

فَعَطْفاً علينا، إنَّ فينا لِماجِدٍ
يُراقِبُ أَعْقابَ الأَحاديثِ، مَصْنَعا