هُوَ طَيْفُها وَطُروقُهُ تَعْليلُ - الأبيوردي

هُوَ طَيْفُها وَطُروقُهُ تَعْليلُ
فَمَتى يَفي لَكَ، والوَفاءُ قَليلُ

وَكَأَنَّ زَورْنَهُ تَأَلُّقُ بارِقٍ
هَتَفَتْ بِهِ النَّكْباءُ وَهْيَ بَليلُ

عَرَضَتْ لَوامِعُهُ فَطَرَّبَ مُجْدِبٌ
وَمَضَى ، فَلا عِدَة ٌ ولا تَنْويلُ

أَأميمَ إنْ أَشْبَهْتِهِ في خُلْفِهِ
فَالخُلْفُ يَقْبُحُ وَهْوَ مِنْكِ جَميلُ

وَلهُ ابتِسامُكِ عِنْ ثُغورٍ لَمْ يَكُنْ
يُشْفَى بِهِنَّ مِنَ المُحِبِّ غَليلِ

وَالقَدُّ مِنْ مرَحِ الصِّبا مُتَأَوِّدٌ
وَالطَّرْفُ مِنْ تَرَفِ النَّعيمِ عَليلُ

وَالخَصْرُ خَفَّ فلا يَزالُ وِشاحُهُ
قَلِقاً، وما وارى الإزارُ ثَقيلُ

غُضِّي مِنَ الإدْلالِ فَهْوَ على النَّوَى
ما دامَ يَجْلِبُهُ المَلالُ، دَليلُ

وَدَعي الوُشاة َ فَكُلُّ مامَحِلوا بِهِ
عِنْدَ اللِّقاءِ يُزيلُهُ التَّأويلُ

وَوَراءَ وَصْلِكُمُ القَصيرِ زَمانُهُ
هَجْرٌ- كما شاءَ الغَيورُ- طويلُ

لو دَامَ قَبْلَكُمُ اجتِماعٌ لَمْ يَذُقْ
أَلَمَ افْتِراقٍ مالِكٌ وَعَقيلُ

وَلَئِنْ صَدَدْتِ فَبَينَنَا مَجْهولة ٌ
لِلرَّكْبِ فيها رَنَة ٌ وَعَويلُ

تَسْري بِعَقْوتِها الرِّياحُ لَواغِباً
وَلَهُنَّ مِنْ حَذَرِ الضَّلالِ أَليلُ

أنا وَالمَطى ُّ وَجِنْحُ لَيلٍ مُظلِمٍ
وَلَدَيَّ إن نَزَلَ الهَوانُ رَحيلُ

فَالهَجْرُ أَرْوَحُ وَالأماني ضَلَّة ٌ
إنْ حالَ عَهْدٌ أَو أَرابَ خَليلُ

وَتَطَرُّفُ القُرنَاءِ يَقْبُحُ بِالفَتى
لكنْ دَواءُ الغَادِرِ التَّبْديلُ

هِمَمٌ تَنَقَّلُ بي، فَإِنْ قَلِقَتْ بها
دارٌ، نضا عَزَماتِيَ التَّحويلُ

وَأَبى لِجيدي أَن يُطَوَّقَ مِنَّة ً
شَرَفٌ بَناهُ الأَنْبِياءِ أَثيلُ

نَطَقَ الزَّبورُ بِفَضْلِهِ المَشْهورِ وَالـ
ـقُرآنُ وَالتَّوْراة ُ والإنِجيلُ

مِنْ مَعْشَرٍ لَهُمُ السَّماحَة ُ شِيمَة ٌ
وَالمَجْدُ تِربٌ والنَّجومُ قَبيلُ

لَهُمُ المُعَلّى والرَّقيبُ مِنَ العُلا
وَبِهِمْ أَفاضِ قِداحَهُنَّ مُجيلُ

فَرَحَلْتُ والنَّفْسُ الأَبيَّة ُ حُرَّة ٌ
وَالعَزمُ ماضٍ وَالحُسامُ صَقيلُ

هَلْ يُعْجِزَنِّي والبِقاعُ فَسيحَة ٌ
في هذهِ الأرضِ الفَضاءِ مَقيلُ؟

بِقَصائِدٍ قَسَتِ اللَّيالِي، وَاكْتَسَتْ
مِنْها، فَرَقَّتْ بُكرَة ٌ وَأَصيلُ

إِنْ شَارَفَتْ أَرْضاً تَطَلَّعَ نَحْوَها
أُخرى ، كَأَنَّ مُقامَها تَحْليلُ

خَضِلَتْ بِدَجْلَة َ والفُراتِ ذُيولُها
فَاهْتَزَّ مِنْ طَرَبٍ إليها النِّيلُ

وَأَزارَها ابْنَ الدَّارِمِيِّ أَبا النَّدى الـ
إكْرامُ وَالتَّعْظيمُ وَالتَّبْجيلُ

خَضَبَتْ مَناسِمَها إلى عَرصَاتِهِ
خُوصٌ نَماهَا شِدقِمٌ وَجَديلُ

وَلَكَمْ تَسافَهَتْ البُرُونُ لِمَطْلِبٍ
وَتَناجَتِ الرُّكْبانُ أَيْنَ تَميلُ

فَأَقَمْنَ حَيثُ المَجْدُ أَتْلَعُ، وَالنَّدى
جَمٌّ وَظِلُّ المَكْرُماتِ ظَليلُ

وَرَعَينَ حالِيَة َ الرَّبيعِ وَدُونَها
جارٌ بِما تَعِدُ الظُّنونُ كَفيلُ

وَمُسَدَّدُ العَزَماتِ لا يَغْتالُها
خَطْبٌ كَما اعْتَكَرَ الظَّلامُ، جَليلُ

وَيُصيبُ أَعْقابَ الأُمورِ إذا ارْتَأَى
عَفْواً، وَآراءُ الرِّجالِ تَفيلُ

وَإذا الوَغَى حَدَرَ الكُماة ُ لِثامَهُ
وَوَشَى بِسِرِّ المَشرَفِيِّ صَليلُ

وَرِماحُهُ تُوِّجْنَ مِنْ هامِ العِدا
وَلَخيْلِهِ بِدِمائِهمْ تَنْعيلُ

نُشِرَتْ رَفَارِفُ دِرْعِهِ عَنْ ضَيْغَمٍ
يَحْمي الحَقيقَة َ وَالأَسِنَّة ُ غِيلُ

هيهاتَ أَن يَلِدَ الزَّمانُ نظيرَهُ
إنَّ الزَّمانَ بِمِثْلِهِ لَبَخيلُ

فَالضَّيْفُ إلاّ عَنْ نَداهُ مُدَفَّعٌ
وَالجارُ إلاّ في ذَراهُ ذَليلُ

نَفَضَتْ إلى أَفْيائِهِ لِمَمَ الرُّبا
أَيْدي الرَّكائِبِ، سَيْرُهُنَّ ذَميلُ

شَرِقَتْ بِنَغْمَة ِ شاعِرٍ أو زائِرٍ
وَدَعا هَديرٌ فَاسْتَجابَ صَهيلُ

مَهْلاً فَما دَنَتِ النُّجومُ لِطامِعٍ
في نَيْلهِنَّ، وَهَلْ إلِيهِ سَبيلُ 

وَسَعْيتَ لِلعَلْياءِ حَتَّى أَيْقَنَتْ
أَنَّ الأَوائِلَ سَعْيُهُمْ تَضْليلُ

واهاً لِعَصْرِكَ وَهْوَ يَقْطُرُ نَضْرة ً
وَيَميسُ تَحْتَ ظِلالِهِ التَّأمِيلُ

فَكَأنَّهُ وَرْدُ الخُدودِ إذا اكْتَسَتْ
خَجَلاً وَكادَ يُذيبُها التَّقْبيلُ

لَولا تَأَخُّرُهْ، وقد أَوْقَرْتَهُ
كَرَماً، لَنَمَّ بِفَضْلِهِ التَّنزيلُ

أينَ المَدى وَلقد بَلَغَتْ مِنَ العُلا
رُتباً تَرُدُّ الطَّرفَ وَهْوَ كَليلُ

وَتَقابَلَتْ غَاياتُها فَتَماثَلَتْ
حَتّى تَعَذَّرَ بَيْنَها التَّفْضيلُ