لَكَ مِن غَليلِ صَبابَتي ما أُضْمِرُ - الأبيوردي

لَكَ مِن غَليلِ صَبابَتي ما أُضْمِرُ
وَأُسِرُّ مِنْ أَلَمِ الغَرامِ وَأُظْهِرُ

وَتَذَكُّري زَمَنَ العُذَيبِ يَشفُّني
وَالوَجْدُ مَمْنُوٌّ بِهِ المُتَذَكِّرُ

إذْ لِمَّتي سَحْماءُ مَدَّ على التُّقى
أَظلاَلها وَرَقُ الشَّبابِ الأَخضَرُ

هُوَ مَلْعَبٌ شَرِقَتِ بِنا أَرْجاؤُهُ
إذْ نَحنُ في حُلَلِ الشَّبيبة ِ نَخْطِرُ

فَبِحَرِّ أَنْفاسي وَصَوْبِ مَدامِعي
أَضْحَتْ مَعالِمُهُ تُراحُ وَتُمْطَرُ

وأُجِيلُ في تِلْكَ المَعاهِدِ ناظِرِي
فَالقَلبُ يَعْرِفُها وَطَرْفي يُنْكِرُ

وَأَرُدُّ عَبْرتِيَ الجَموحَ لأَنَّها
بِمَقيلِ سِرِّكَ في الجوانِحِ تُخْبِرُ

فأَبيتُ مُحتَضِنَ قَلِقَ الحَشى
وَأَظَلُّ أُعْذَلُ في هَواكَ وَأُعْذَرُ

غَضِبَتْ قُرَيْشٌ إذْ مَلَكْتُ مَقادَتي
غَضَباً يَكادُ السُّمُّ مِنْهُ يَقْطُرُ

وَتَعاوَدَتْ عَذْلي فَما أَرْعَيْتُها
سَمْعاً يَقِلُّ بِهِ المَلامُ وَيَكْثُرُ

وَلَقَدْ يَهونُ على العَشيرَة ِ أَنَّني
أَشْكو الغَرامَ فَيَرْقُدونَ وَأَسْهَرُ

وَبِمُهْجَتي هَيْفاءُ يَرْفَعُ جِيدَها
رَشَأٌ، وَيَخْفِضُ ناظِرَيْها جُؤذَرُ

طَرَقَتْ وَأَجْفانُ الوُشاة ِ عَلى الكَرَى
تُطْوى ، وَأَرْدِية ُ الغَياهِبِ تُنْشَرُ

وَالشُّهْبُ تَلْمَعُ في الدُّجى كَأَسِنَّة ٍ
زُرْقٍ يُصافِحُها العَجاجُ الأَكْدَرُ

فَنِجادُ سَيْفي مَسَّ ثِنْيَ وِشاحِها
بِمَضاجِعٍ كَرُمَتْ وَعَفَّ المِئْزَرُ

ثُمَّ افْتَرَقْنا وَالرَّقيبُ يَروعُ بي
أَسَداً يُوَدِّعُهُ غَزالٌ أَحوَرُ

وَالدُّرُّ يُنظَمُ، حينَ يَضْحَكُ، عِقْدُهُ
وِإذا بَكَيْتُ فَمِنْ جُفوني يُنْثَرُ

فَوَطِئْتُ خَدَّ اللَّيْلِ فَوْقَ مُطَهَّمٍ
هُوجُ الرِّياحِ وَراءَهُ تَسْتَحْسِرُ

طَرِبِ العِنانِ، كأَنَّهُ في حُضْرِهِ
نارٌ بِمُعْتَرَكِ الجِيادِ تَسَعَّرُ

وَالعِزُّ يُلْحِفُني وَشائِعَ بُرْدِهِ
حَلَقُ الدِّلاصِ وصارِمي وَالأَشْقَرُ

وَعَلامَ أَدَّرِعُ الهَوانَ وَمَوْئِلِي
خَيْرُ الخَلائِفِ أَحْمَدُ المُسْتَظْهِرُ

هُوَ غُرَّة ُ الزَّمنِ الكَثيرِ شياتُهُ
زُهِيَ السَّريرُ بِهِ وَتاهَ المِنْبَرُ

وَلَهُ كَما اطَّرَدَتْ أَنابيبُ القَنا
شَرَفٌ وَعِرْقٌ بِالنُّبُوَّة ِ يَزْخَرُ

وَعُلاُ تَرِفُّ على التُّقى ، وَسَماحَة ٌ
عَلِقَ الرَّجاءُ بِها، وَبَأْسٌ يُحْذَرُ

لا تَنْفَعُ الصَّلواتُ مَنْ هُوَ ساحِبٌ
ذَيْلَ الضَّلالِ، وَعَنْ هَواهُ أَزْوَرُ

وَلَوِ اسْتُميلَتْ عَنْهُ هامَة ُ مارِقٍ
لَدعا صَوارِمَهُ إلَيْها المِغفْرُ

فَعُفاتُهُ حَيثُ الغِنى يَسَعُ المُنى
وَعُداتُهُ حَيثُ القَنا يَتَكَسَّرُ

وَبِسَيْبِهِ وَبِسَيْفِهِ أَعْمارُهُمْ
في كلِّ مُعْضِلَة ٍ تَطولُ وَتَقْصُرُ

وَكَأَنَّهُ المَنْصورُ في عَزَماتِهِ
وَمُحَمَّدٌ في المَكرُماتِ وَجَعْفَرُ

وإذا مَعَدٌّ حُـصِّلَتْ أَنْسابُها
فَهُمُ الذُّرا وَالجَوْهَرُ المُتخَيَّرُ

وَلَهم وَقائِعُ في العِدا مَذكورَة ٌ
تَروي الذِّئابُ حَديثَها وَالأَنْسَرُ

وَالسُّمْرُ في اللَّبَاتِ راعِفَة ٌ دَماً
وَالبيضُ يَخضِبُها النَّجيعُ الأَحْمَرُ

وَالقِرْنُ يَرْكَبُ رَدْعَهُ ثَمِلَ الخُطا
وَالأَعْوَجِيَّة ُ بِالجَماجِمِ تَعْثُرُ

وَدَجا النَّهارُ مِنَ العَجاجِ، وَأَشْرَقَتْ
فيهِ الصَّوارِمُ، وَهْوَ لَيْلٌ مُقْمِرُ

يابْنَ الشَّفيعِ إلى الحَيا ما لاِمْرِىء ٍ
طامَنْتَ نَخْوَتَهُ المَحَلُّ الأَكْبَرُ

أّنا غَرْسُ أَنعُمِكَ الَّتي لا تُجْتَدى
مَعَها السَّحائبُ، فَهيَ مِنْها أَغْزَرُ

وَالنُّجْحُ يَضْمَنُهُ لِمَنْ يَرتادُها
مِنْكَ الطَّلاقَة ُ والجَبينُ الأَزْهَرُ

وَإنْ اقْتَرَبْتُ أَو اغْتَرَبْتُ فَإنَّني
لَهِجٌ بِشُكْرِ عَوارِفٍ لا تُكْفَرُ

وَعلاكَ لي في ظِلِّها ما ابتَغيِ
مِنها، وَمِنْ كَلمِي لَها ما يُذْخَرُ

يُسْدي مَديحَكَ هاجِسي، وَيُنيرُهُ
فِكري، وَحَظّي في امتداحِكَ أَوْفَرُ

بَغْدَاد أيَّتُها المَطيُّ، فَواصلي
عَنَقاً تَئِنُّ له القِلاصُ الضُّمَّرُ

إنِّي وَحَقِّ المُسْتَجِنِّ بِطَيْبَة ٍ
كَلِفٌ بِها وَإلى ذَراها أَصْوَرُ

وَكَأَنَّني، مِمّا تُسَوِّلُهُ المُنى
وَالدّارُ نازِحَة ٌ، إليها أنْظُرُ

أَرضٌ تَجُرُّ بِها الخِلافَة ُ ذَيْلَها
وَبها الجِباهُ مِن المِلوكِ تُعَفَّرُ

فَكَأَنّها جُلِيَتْ عَلَينا جَنَّة ٌ
وَكَأَنَّ دِجْلَة َ فاضَ فيها الكَوْثَرُ

وَهَواؤُها أَرِجُ النَّسيمِ، وَتُرْبُها
مِسْكٌ تَهاداهُ الغَدائِرُ أَذْفَرُ

يَقْوى الضَّعيفُ بِها، وَ يأْمَنُ خائِفٌ
قَلِقَتْ وِسادَتُهُ، وَيُثْري المُقْتِرُ

فَصَدَدتُ عَنها إذ نَباني مَعْشَري
وَبَغى عَلَيَّ مِنَ الأَراذِلِ مَعْشَر

مِنْ كُلِّ مُلْتَحِفٍ بِما يَصِمُ الفَتى
يُؤذي وَيَظْلِمُ أَوْ يَخونُ وَيَغْدِرُ

فَنَفَضْتُ مِنْهُ يدي مَخَافَة َ كَيْدِهِ
إنَّ الكَريمَ عَلى الأذى لا يَصْبِرُ

وَأَبى لِشِعري أَنْ أُدَنِّسَهُ بِهِمْ
حَسَبي، وَسَبُّ ذوي الخَنا أَنْ يُحْقَروا

قابَلْتُ سَيّءَ ما أَتَوْا بِجَميلِ ما
آتي، فَإنِّي بِالمَكارِمِ أَجدَرُ

وَأَبادَ بَعْضَهُمُ المَنونُ، وَبَعْضُهُمْ
في القِدِّ، وَهْوَ بِما جِناهُ أَبْصَرُ

وَالأبيضَ المأَثورُ يَخْطِمُ بِالرَّدى
مَنْ لا يُنَهْنُههُ القَطيعُ الأَسْمَرُ

فارْفَضَّ شَملُهُمُ، وكَمْ مِنْ مَورِدٍ
لِلظّالمينَ ولَيسَ عَنْهُ مَصْدَرُ

وَإلى أَميرِ المؤمنينَ تَطَلَّعَتْ
مِدَحٌ كَما ابتَسَمَ الرِّياضُ تُحَبَّرُ

ويقيمُ مائِدَهُن لَيْلٌ مُظْلِمٌ
وَيَضُمُّ شارِدَهُنَّ صُبْحٌ مُسْفِرُ

فَبِمِثلِ طاعَتِهِ الهِدايَة ُ تُبْتَغي
وَبِفَضْلِ نائِلِهِ الخَصاصَة ُ تُجْبَرُ