ما للسماء عليه ليس تنفطر - عبد الصمد بن المعذل

ما للسماء عليه ليس تنفطر
وللكواكب لا تهوى فتنتشرُ

وللبلاد ألا تسمو زلازلها
والراسيات ألا تردى فتنقعرُ ؟ !

إنّ الندى وأبا عمرو تضمَنَهُ
قبرٌ ببغداد يُستَسْقى به المطرُ

للّه حزمٌ وجودٌ ضمّه جدثٌ
ومكرماتٌ طواها التّربُ والمدرُ

يا طالباً وزراً من ريبِ حادثة
أودى سعيدٌ فلا كهفٌ ولا وزرُ

أبكى عليك عيونَ الحيّ من يمنٍ
ومن ربيعة َ ما تَبكِي له مضرُ

كلُّ القبائل قد ردّيتَ أَردية ً
من فضل نُعْماكَ لا يَجزي بها شكْرُ

ما خَصَّ رُزؤك لا قيساً ولا مضراً
إنَّ الرزية معمومٌ بها البشرُ

لو كان يَبْكي كتابُ اللّهِ من أحدٍ
لطولِ إلفٍ بكتكَ الآيُ والسورُ

أبو الأراملِ والأيتامِ ليس له
إلا مراعاتهم همّ ولا وطرُ

للهاربينَ مصادٌ غيرُ مطلع
وللعُفاة ِ جَنَابٌ ممرعٌ خَضِرُ

من كل أفقٍ إليه العِيسُ مُعْمَلَة ٌ
وكل حيّ على أبوابه زمرُ

مُشَيّعٌ لا يغوث الذحل صولتَهُ
وأكرم الناس عفواً حين يقتدرُ

لا يَزدَهيهِ لغيرِ الحقّ منطقُهُ
ولاتناجيه إلاّ بالتقى الفكرُ

ثبت على زلل الأيام مُضطَلعٌ
بالنائباتِ لصعبِ الدهرِ مقتسرُ

سامي الجفونِ يروق الطرفَ منظرهُ
وأطهرُ الناسِ غيباً حينَ يختبرُ

الحلمُ يصمتهُ والعلمُ ينطقهُ
وفي تقى اللهِ ما يأتي وما يذرُ

لم تسمُ همتهُ يوماً إلى شرفٍ
إلاّ حباه بما يَسْمو له الظفَرُ

يعطيكَ فوقَ المنى من فضلِ نائلهِ
وليس يعطيك إلاّ وهو مُعتذرُ

يزيدُ معروفهُ كبراً ويرفعهُ
أنّ الجسيمَ لديه منه محتقرُ

وليس يسعى لغير الحمد يكسبهُ
وليس إلاّ من المعروف يَدَّخرُ

عَفُ الضمير رحيبُ الباعِ مُضْطلعٌ
لحرمة ِ الله والإسلامِ منتصرُ

ما أنفكَّ في كل فجّ من ندى يدهِ
للناس جودانِ محوي ومنتظرُ

لو هابَ عن عزة أو نجدة ٍ قدرٌ
من البريّة ِ خَلقاً هَابَكَ القدرُ

لِيَبْكِ فَقدَك أطرافُ البلادِ كما
لم يخلُ من نعمة ٍ أسْدَيتَها قُطُرُ

وليبككَ المرملونَ الشعثُ ضمهمُ
من كلّ أوْبٍ إلى أبياتكَ السّفَرُ

وذاتُ هدمينِ تزجي دردقاً قزماً
مثلَ الرئالِ حباها البؤسُ والكبرُ

ويبككَ الدينُ والدنيا لرعيهما
والبَرُّ والبَحْرُ والإعسار واليُسُرُ

كفلتَ عترة َ أقوامٍ مهاجرة ٍ
عثمانُ جدهمُ أو جدهمْ عمرُ

وقد نَصَرْتَ وقد آوَيْتَ مُحتسِباً
" أبناء قومٍ همُ آووا وهم نصروا "

يا ربَّ أرملة ٍ منهم ومكتهلٍ
أَيتَمْتَهُ وهو مُبَيضّ له الشِعَرُ

لله شملُ جميعٍ كان ملتئماً
أضحى ليومِ سعيد وهو منتشرُ

أمسى لفقدكَ ظهر الأرض مختشعاً
بادِي الكآبة ِ واختالت بِك الحُفَرُ

أحياكَ عمرو ولولاه وأخوتهُ
عَفَا النوالُ فلم يُسمعْ له خَبَرُ

ألهمتهمْ طوعهُ فانقاد رشدهمُ
كلٌّ يراه بحيثُ السمعُ والبصرُ

كأنهم كنفاهُ وهوَ بينهمُ
بدرُ السماءِ حوتهُ الأنجمُ الزهرُ

بنو قتيبة َ نورُ الأرضِ نورهمُ
إذا خبا قمر منهم بدا قمرُ

إذا تشاكهت الأيام واشتبهتْ
أبان أيامكَ التحجيل والغررُ

إمّا ثويتَ فما أبقيت مكرمة ً
إلا بكفك منها العين والأثرُ

إنّ الليالي والأيام لو نطقت
أثنت بآلائك الآصال والبكرُ

كان الندى في شهور الحول مُقْتَسَماً
بين البرية فاغتال الندى صفرُ