عسى طيفُ من أهوى لعينيَ يهتدي - ابن شيخان السالمي

عسى طيفُ من أهوى لعينيَ يهتدي"
" وإني مهما ابيضت العين أرقد

كأنَّ بجفني ما بقلبي من الهوى"
" متى يرتقب غمضاً به يتوقد

أقضّي نهاري بالكآبة والأسى"
" وأقطع ليلي كالسّليمِ المسهَّد

وأستنشق النسماء من جانب الحمى"
" لتطفي لهيباً من حشىً متوقد

فبالله يا ريح الصباح تحمّلي"
" سلامَ محب نازح الدار مكمد

سلاماً لأحباب نأوْا بحشاشتي"
" وغودرتُ مُلقىً بين ربع ومعهد

أما علموا أني مقيم على الوفا"
" وأني في دين الهوى لم أُفَنَّدِ

تحدر دمعي يسبق الغيث جارياً"
" ومالي أرى عينيكما مثلَ جلمد

جرى قلبُ مطبوع الهوى من جفونه"
" وغارت دموع المدعي المتردد

ضَعَا عن بيان فوق صدري يديكما"
" فلم تجدا إلا دمائي بموقد

وهذي دموعي فانظراها فلا يُرى"
" صَدوق الهوى إن لم تكن مثل عسجد

وربَّانةُ السَّاقين خمصانةُ الحشى"
" متى يرَها بدر الدجنة يسجد

أتت تنثني كالخيزرانة ليلة"
" غُدَافيّة من شعرها المتجعد

تمزِّق من أنوارها كل ظلمة"
" تعطِّر من أعطارها كلَّ مرقد

شكى خصرُها المظلومُ من ظلم رِدفها"
" كما يشتكي من ظلمها العاشق الصَّدي

نثرت لها در العتاب مفصَّلاً"
" وأبدت لعيني ما حكى لحن معبدِ

إذا أحرقت باللثم وجنتُها الحشى"
" شفيت الحشى من ريق فِيهَا المبرّد

وبِتنا كما شاء الهوى نجتني المنى"
" ونفتح بعد الغمِّ كل مسدَّد

إلى أن قضت بالبعد عنها يد النوى"
" وللدهر حكم يجتدي ثم يعتدي

ومالي وشكوى الدهر هَبْ إنه اعتدى"
" فأين نصيري منه أو أين مُنجِدي

نصبت رجائي ليلة بعد ليلة"
" لتحصيل مأمول وتيسير مقصد

وحمّلتُ نفسي ركبَ كُل شديدة"
" وكلفت سيري فوق حرف مشدّد

وخضتُ الدجى بحراً إلى أن بدا لنا"
" كشمس الضحى وجه الهمام محمد

هو المخجل الدأما هوا لمنهل الدِّما"
" هو القطر للأندى هو البدر في الندي

عريق العُلا فرّاج كل شديدة"
" كريم السجايا باسط الوجه واليد

مليُّ الثنا فعّال كل حميدةٍ"
" ومن يفعل المعروف في الناس يُحمدِ

إذا جئته يوماً لتفريج غمة"
" تراه لها يهتز مثل المهنَّد

شجاع شديد الثائرات تهابه"
" أسود الشرى من بأسه المتوقد

تعلم منه البحر سِيما سماحة"
" فأزبد غيظاً إذ غدا جار مُزْبِد

يناديه أعيان القبائل رحمة"
" وكلهم يبغي نجاحاً لمقصد

إلى بابه تطوى السباسب والفَلا"
" ويثنى على مسعاه في كل مشهد

نَمَتْهُ إلى العليا عباهل سادة"
" مقاديم قد طالوا وصالوا بسؤدد

أمن حمد حاز العلا أم أتاه من"
" هلال الذي طم العلا أم محمد

سحائب جود تخصب الأرض عيشها"
" تجلت علينا من سما العدل أحمد

وقام على تلك السبيل محمد"
" يروح على فعل الجميل ويغتدي

شمائل فيه نيرات قضى بهَا"
" حقوقَ العلا وامتاز عن كل سيد

فطَوراً تراه صهوةَ الخيل راكباً"
" وطوراً تراه عاكفاً بطنَ مسجد

وطوراً تراه في سرير مدبّراً"
" حكومته بالعدل يهدي ويهتدي

صحار اكتست منه جمالاً وبهجة"
" فطالت به في حسنها المتفرِّد

أقام عليها بالعمارة بعدما"
" تخرب منها كل شيْءٌ مشيَّدِ

وجمَّع فيهَا ما تفرق من نُهى"
" طوائِفها باللطف والخُلُق الندي

فأضحت عروساً تستعيد شَبابَها"
" وترتع في طِيبٍ من العيش أرغدِ

أعدَّ كرام الخيل والابْل زينةً"
" لإدراك مطلوبٍ وتقريب أبعد

فمنهن ما كالعين أو كاللّجَينْ أو"
" كقطعةٍ ليلٍ حالكِ الصبغ أسود

ومنها له النُجْب الكرائِمُ أَخجلت"
" كرائِمَ للنعمان في دهر مسعد

وكم ظهرت منه محاسنُ جمّةٌ"
" فما ينتهي بالفضل إلا ويبتدي

أتيناهُ من بُعْدٍ تجوب ركابُنا"
" إليه الفيافي فدفداً بعد فدفد

حدانا إليه الاشتياقُ لما مضى"
" من الوُدّ والعهد القديم المؤكد

فلم نر إلا البحر بالفضل زاخراً"
" ولم نر إلا الفجر في برج أسعدِ

وتَّمت لنا الآمال عند لقائه"
" وتمَّ له الاقبال في كل مقصد