أنت مصر تستعطي بأعينها النجل - جبران خليل جبران

أنت مصر تستعطي بأعينها النجل
وعرض جمال لا يقال إلى مثل

غريبة هذي الدار بادية الذل
جلت طفلة عن موطن ناضب قحل

إلى حيث يروي النيل باسقة النحل

فلاخية ما درها ثدي أمها
سوى ضعفها البادي عليها وهمها

ولم تتناول من أبيها سوى اسمها
وما أحرزت من أهلها غير يتمها

وأشقى اليتامى فاقد البر في الأهل

فكانت كنامي الغرس يزكو وينصر
ومطعمه طين ومسقاه أكدر

يحيط بها دوحان شيخ معمر
وأم عجوز القشر واللب أخضر

تبيعها قوتا بشيء من الظل

فمن صبحها تسعى لجني ومكتدى
وفي ليلها تقضي الذي يبتغي غدا

كما كان عبد الرق جنحا ومغتدى
يواصل مسعاه ليخدم سيدا

ويوسعه رزقا ويغدى من الثفل

قضت هكذا بين الأسى والمتاعب
صباها ولما تغد بين الكواعب

فصحت كنبت الطود بين المعاطب
ومدت إلى حيث الثرى غير ناضب

جذورا إذا أنهلنها عدن بالعل

فيا لقوى التمكين في جسم سالم
يقاومن دون العمر كل مقاوم

يجاذبن بالأوراق در الغمائم
يهابطن بالأعراق ذر المناجم

خفافا إلى ضم صعابا على الحل

يمر بها عهد الصبا والتدلل
على شظف في عيشها وتذلل

وكم جرعت من صبرها كأس حنظل
وكم نالها صرف من الدهر مبتلي

فطال عليها لا يميت ولا يسلي

وكم ضاجع الجوع الأثيم بهاءها
فقبلها حتى أجف دماءها

وكم ساعف الحر المذيب شقاءها
وكم نازع البرد الشديد بقاءها

نوائل تأتي كالليالي وتستتلي

أنرن نهاها في اعتكار التجارب
بنيرانهن المحرقات الثواقب

صغن لها من فحم تلك الغياهب
ذكاء من الماس المضيء الجوانب

به تجتلي ما لا ترى أعين النمل

دعاها بليلى والدها لتنكرا
وهل كان صونا لاسمها أن يغيرا

على أنها كانت مثالا مصورا
تصور من ماء الجمال مقطرا

فحلاه ما تهوى المنى وبه حلي

يسر بمرأى حسنها كل سابل
فينفحها من ماله غير باخل

وكم مدقع من شدة الفقر سائل
يرد يديه لا يفوز بنائل

ولا جود للإنسان إلا على دخل

تحن إلى الصقع الذي لم يبرها
وجرعها صاب الحياة ومرها

نأت ونأى أترابها عنه كرها
ولكن هي الأوطان نحمد ضرها

ونهوى الأذى فيها ولا النفع إن نجل

على أنه صقع شحيح الجداول
عقيم الثرى لكنه جد آهل

جديب خصيب بالبطون الحوامل
وما تقذف الأمواج في متن ساحل

من الرمل ما يقذفن فيه من النسل

يعد بنيه للتباريح والفنا
إذا لم يرودوا كل أفق من الدنى

فتيخذون التيه في الأرض موطنا
وهم كالدبى الغرثى نفوسا وأبطنا

إذا نزلوا خصبا فبشره بالمحل

فلا تنكر الأزواج بغي نسائها
ولا تكبر الزوجات خلع حيائها

وولد خلت آباؤها عن إبائها
تساوم في حسن الوجوه ومائها

وتنمو على سوء المعاطاة والختل

كذا أدبت ليلى فطيما وعالها
ذووها ليضحوا بعد حين عيالها

فتطعمهم من خزيها ما جنى لها
وتكسوهم مما تعري جمالها

وتحمل ما في العيش عنهم من الثقل

ولكن في نفس الصغير المساويا
يماثلن بالحسن الخصال الزواهيا

كأول نبت الحقل يجمل ناميا
ولا تفرق العين الغريب المضاهيا

من النبت إلا في أوان جنى الحقل

فلم يك في ليلى سوى ما يحبب
بها من معانيها الجياد ويعجب

وكانت على الأيام تنمو وتعذب
كمثمرة الأغصان والصقع طيب

يبشرن في فصل ويعقدن في فصل

إلى أن غدت في أعين المتوسم
تنير كنور الشارق المتبسم

منعمة الأعطاف لا عن تنعم
متممة أوصافها لم تتمم

بحلي ولم تصلح بطلي ولا صقل

ضروب جمال لو رأتها أميرة
رأت كيف تعلوها فتاة حقيرة

وكيف حوت جاه الملوك فقرة
مضورة مما تجوع جديرة

بإحسان أرباب المبرات والبذل

بهاء به يسمو على الجاه فقرها
وعري به يزري الجواهر نحرها

وثوب عتيق إن فشا منه سرها
أباح كنوزا للنواظر صدرها

يحرمها جفن ترصج بالنبل

ورأس إذا ما زانه تاج شعرها
فأشرف من عرش غضاضة قدرها

وقد تشتريه ذات تاج بفخرها
وترضى به تاجا كريما لفقرها

معوضة خيرا من الكثر بالقل

وقال أبوها يوم تم شبابها
وحيك لها من نور فجر إهابها

أيا أم ليلى حسب ليلى عذابها
توفر مسعاها وقل اكتسابها

وأسأم تكرار السؤال ذوي الفضل

أراها أصح الآن جسما وأجملا
فحتام لا نجني جناها المؤملا

نمت ونمو الفقر يأتي معجلا
ولم أر في الإعسار كالحان مؤئلا

لمن يطلبون الرزق من أقرب السبل

فقالت لها أم شديد دماؤها
سخي مآقيها سريع بكاؤها

بنية هذي الحال أعضل داؤها
وأنت لنا دون الأنام دواؤها

أغيرك نرجو للمعونة والكفل

فقالت أشيري يا أميمة إنني
لفاعلة ما شئته فأمرنني

وما تؤثريه أحترفه وأتقن
وكل الذي فيه رضاك يسرني

فروحكما همي وعزكما شغلي

فقالت لها إنا نرى لك مهنة
تعيد علينا نقمة العيش منة

تكونين فيها للنواظر جنة
وللشاربين المستهامين فتنة

فترقين أوج السعد من مرتقى سهل

لخير لها يا أم العدم والطوى
من السعد تهديه إليها يد الهوى

وأولى بها من أن تذال فتصفوا
معاناة هم ناصب يوهن القوى

وسير على شوك القتاد بلا نعل

كذلك ناجاها الضمير مؤنبا
ولكن جوع النفس فها تغلبا

فرد إلى الصمت الضمير مخيبا
وألقى بتلك البنت في أول الصبا

إلى حيث يخشى ناسك زلة الرجل

فمر بها في حانة نفر أولى
مجون دعتهم بالرموز فأقبلوا

وحيوا فحيتهم وفيها تدلل
فقال فتى ما للمليحة تخجل

وحيث تكن تنزل على الرحب والسهل

تسمين يا حسناء قالت تحببا
أنا اسمي ليلى هل ترى اسمي معجبا

فقال لئن أنشدته الصخر أطربا
برقة هذا الصوت أو راهبا صبا

أو الثاكل اعتاض السرور من الثكل

وقال فتى ما شاء ربك أحكما
جمالك يا ليلى فجاء متمما

رأيت ولكن لا كغثرك مبسما
ولا مثل هذي العين تروي على ظما

ولا كحلا في الجفن أفصح للكحل

فلما سقتهم قال نشوان يمزح
أتسقيننا روحا وجفك يذبح

ومد يدا منهم فتى متوقح
إليها فجافت ثم صافت ليسمحوا

لها بمزيد من شراب ومن نقل

وقالت بتول فارقبوا الله واتقوا
ولكن أشار اللحظ أن لا تصدقوا

فأضحكهم هذا العفاف الملفق
وقال فتى شأن الرحيق يعتق

ولكن تعتيق العفاف من الخبل

فتابعه ثان وقال تفننا
أما زلت بكرا بئسما الدير ههنا

ولكنها الأثمار تخلق للجنى
وإلا فعبن أن تطيب وتحسنا

إلى أن تراها ذابلات على الأصل

وعقب مزاح بأدهى وأغرب
أأخبركم ما لابكر في خير مذهب

هي الكأس فارشف ما تشاء وقلب
فإن هي لم تعطب فلست بمذنب

وإن كدرت عادت إلى الصفو بالغسل

وكان رفيق منهم متألما
يرى آسفا ذاك الدعاب المذمما

وتلك الفتاة البكر خلقا مثلما
وعرضا غدا تثليمه متحتما

فقال اربأوا جاوزتم الحد في الهزل

لئن جاز مس البكر أو ساغ لثمها
بلا حرج ما دام يؤمن ثلمها

فلم زهرة الروض التي هي رسمها
إذا ابتذلت جفت ولو صين كمها

ولم تستعد زهوا وطيبا من الطل

أبا ليلى هل تصفو وتطلع أنجما
لتقذى بأرجاس الورى أعين السما

ويا زمنا قالوا به الرق حرما
علام أبيح الطفل للجوع والظما

فباعاه للفحشاء تحت يد العدل

أصيبية جاؤوا المكان ليسهروا
وقد أجلسوها يسكرون وتسكر

فلما نفى اللب الشراب المخمر
تمادوا بها في غيهم وتهوروا

وأرقصهم طوافة الزمر والطبل

فهذا معاطيها وذاك مداعب
وهذا مداجيها وذاك مشاغب

وهذا مراضيها وذاك مغاضب
وهذا مباكيها وذاك ملاعب

وكلا ترى منهم على خلق رذل

يحاول كل أن يزيغ فؤادها
وكل يرجي أن يضل رشادها

يرومون منها أن تبيح وسادها
ويبغون طرا بغيها وفسادها

سواء لديهم بالحرام وبالحل

ذئاب تداجي نعجة لافتراسها
وترقب منها فرصة لاختلاسها

ولكنها ردتهم عن مساسها
تبالغ في تشويقهم باختباسها

ولفتتها الغضبى ومشيتها الخزل

فما هي منها في الطهارة رغبة
ولا هي في فقد البكارة رهبة

ولكنه علم لديها ودربة
كما أبواها أدباها وعصبة

أرتها فنون الغش بالقول والفعل

تصيد لهى عشاقها باختيالها
وتبتز منها أمها فضل مالها

فتنفقه في روحها ودلالها
وتقني الحلى معتاضة عن جمالها

بأوسمة للقبح في الشيب والعطل

أعدلا يباهي عصرنا زمنا خلا
وقد عود الأطفال فيه التسولا

وسيمت به الأبكار سوما محللا
وباعت نساء ولدها واشترت حلى

وربي سفل البيت تربية السخل

على هذه الحال الشديد نكيرها
نما الحسن في ليلى ومات ضميرها

فجسم كمشكاة يعز نظيرها
بإتقانها لكن خبا الدهر نورها

وعين كحالي الغمد أمسى بلا نصل

فلما استوى شكلا ربيع الصبا بها
وشب عن الأكمام زهر شبابها

ودل على النعماء غض إهابها
وأنكر زهوا ما مضى من عذابها

حكت جنة فيها منى القلب والعقل

وما هي إلا دمنة لكن اكتسى
ثراها من النبت المزور ملبسا

ويسطع منها الطيب لكن مدنسا
وفي نورها تنمو الرذائل والأسى

وموردها عذب على أنه يصلي

حوى سيرا من كل ضرب فؤادها
بها يهتدي سبل الخداع رشادها

ويقوى على ضعف القلوب ودادها
فلا تنثني حتى يتم مرادها

وحتى يكون الحق في خدمة البطل

يحدثها كل بأمر تجددا
ويفشي لها أسراره متوددا

وما يكشف البدر الظلام إذا بدا
كما تكشف الأسرار ليلى وما الصدى

بأسرع منها في الحكاية والنقل

وكم تصطبي ذا غرة لا يخالها
محصنة بكر وذي الحال حالها

فيغويه فيها أنسها وابتذالها
ويسخو عليها ما يشاء احتيالها

وتعرض عنه حين يطمع في الوصل

أليس صفاء البكر في أول الصبا
كقطر الندى يحلى به زهر الربى

فإن يستحل ذاك الصفاء تلهبا
فلا عجب أن تحسب البكر ثيبا

ويخطيء فها من يكون على جهل

وكم من سري مولع بالتعفف
سبت بالحياء الكاذب المتكلف

وداجت فصادت بالمقال الملطف
وبالتيه حيث التيه محض تزلف

وبالهجر حيث الهجر أجمع للشمل

إذا ما البغيات احتشمن ظواهرا
وجارين في آدابهن الحرائرا

وكن جميعا كالنجوم سوافرا
فأي حكيم يستبين السرائرا

وهل في ضياء الشهب فرق لمستجلي

على أنها لم ترض عن مستقرها
وكانت تناجيها أماني سرها

بأن تتولى عاجلا فك أسرها
فإن وفقت فازت بإعلاء قدرها

على كل من تعلو عليها وتستعلي

وكان فتى طليق المحيا جميله
ولكنه نذل الفؤاد ذليله

يميل إليها وهي لا تستميله
فيزداد فيه غيظه وغليله

وقد طويت أحشاؤه طية الصل

وكان كثيرا ما يود خطابها
فتصغي إليه وهي تحسو شرابها

فإن ملأت مما يقول وطابها
تولت وكان الصد عنه جوابها

فآب وفي آماقه أدمع تغلي

وظل يوافي في المواعيد زائرا
فيحسوا الطلى جمرا ويروي النواظرا

يخالسها نياتها والسرائرا
لطيفا لما يبغي على الذل صابرا

فخورا برحب الصدر والكفل الخذل

فآلى لها يوما بأن يتأهلا بها
فأصاب الوعد منها المؤملا

فقالت كفاني خدمة وتبتلا
وذي نعمة أرقى بها سلم العلى

وماذا ترجي بعدها امرأة مثلي

فأبدت لها الإقبال بعد التبرم
ولكن أطالت خبره خوف مندم

فقالت لها النفس الطموع إلى كم
تظلان في مشق من الريب مؤلم

ويقضى نفيس العمر في الوعد والمطل

فلم أر أغوى من جميل وأطوعا
فؤادا ولا وجها أحب وأبدعا

فتى لك يهدي قلبه واسمه معا
فإن طال هذا المطل منك تطلعا

إلى امرأة تسموك بالجاه والأصل

فخامر ليلى الخوف ثم تحولا
إلى غيرة والغيرة انقلبت إلى

غرام فما تلوي على أحد ولا
تكاشف بالحب النزيه مؤملا

سوى ذلك الغر الجميل من الكل

ومن نكد المخدوع أن زمانه
يسخر للخل المداجي أمانه

فإذا يرعوي المغرى ويلوي عنانه
يكون المداجي قد أذاه وخانه

وأدرك ما يسعى إليه من السؤل

أصم الهوى ليلى وأعمى ذكاءها
ورد عليها كيدها ودهاءها

فمن نفسها نالت وشيكا جزاءها
ومشقي الورى منها أنم شقاءها

بأن أخذت في فخها بيدي وغل

وليلة أنس زارها من صحابها
فريق بغوا أن يكشفوا سر ما بها

فدار حديث بينهم في عتابها
لإعراضها عن صحبها وانقلابها

إلى أجدر العشاق بالصد والرذل

فخالهم يهجونه لمارب
ويتهم محض النصح في فم ثالب

فبينا تجافي دونه كل عاتب
أتى يتهادى بين جيش معايب

تهادي قيل حف بالخيل والرجل

ففارقت الحضار طرا وأقبلت
عليه وفي أحشائها غلة غلت

وفي وجنتيها حمرة كاللظى علت
فحيته بالبشر الطليق وأغفلت

سواه من الجلاس كالسلعة الغفل

أهذا الذي فيه الملام يريبها
وفي حبه سعد الحياة وطيبها

هم بغضاء والحبيب حبيبها
وهم بلهاء لا جميل خطيبها

وما لجميل بينهم من فتى كفل

وكان من الجلاس أشيب مغرم
تصبته عشقا وهو قد كاد يهرم

فقال إلى كم نحن نعطي وننعم
ليحظى بها قوم سوانا وينعموا

وشر جنون سورة الفسق في الكهل

دعاها فجاءته تجيب تلمظا
فأنحى عليها بالملام وأغلظا

إلى أن جرت منها الشؤون تغيظا
فثار جميل يقذف السم واللظى

عليه بمدرار من السب منهل

وبارزة حتى التراب تخضبا
ففاز على الشيخ الفتى متغلبا

وأشبعه ذلا لكي يتأدبا
وعلمه أين التصابي من الصبا

وأقنعه باللكم واللطم والركل

فلما رأت تلك الحمية سرت
وفرج عنها غيم حقد وحسرة

بل انكشف غماؤها عن مسرة
ونادت جميلا يا ملاذي ونصرتي

تفديك نفسي من شجاع ومن خل

وألقت عياء رأسها فوق صدره
فزان سواد الشعر أبيض نحره

مثالان قاما للشباب ونصره
وللحسن تجلو شمسه وجه بدره

وللحب مرفوع اللواء على العذل

فألوى عليها عاكفا متدانيا
يخاصر أملودا من القد واهيا

ويرشف من أجفانها الدمع جاريا
على ورد خد يخجل الورد زاهيا

محلى بإكليل من الدر مخضل

كأن جميلا بارتشاف شؤونها
سقى وردة محرورة من عيونها

كأن الندى المنثور فوق جبينها
مدامع فجر أفرغت في هتونها

على روضة شبه الهلال من الفل

وأوحى إليه المكر أن يتعجلا
ليدرك من ليلى المرام والمؤملا

فإن أمهلت حتى تفيق وتعقلا
يظل بأيديها مقودا مذللا

قياد بعير جره الطفل بالحبل

فراغ بها في جنح أليل أهيم
كهم على صدر الوجود مخيم

إلى ربض قفر المسالك مظلم
معد ليؤتى فيه كل محرم

بما ثم من روع ومن شجر جثل

فطارت به نفس الفتاة تروعا
فراودها عن نفسها متضرعا

فعفت فمناها فزادت تمنعا
فأقسم إلا أن يموتا إذا معا

طعيني حديد بين كفيه مستل

وبالغ في إغرائها مقسما لها
بأن فتاها من غد صار بعلها

ويرفعها شأنا ويكفل أهلها
ويجعل في أسمى الصروح محلها

وينقذها من عيشة الأسر والغل

وكان الدجى قد رق حتى تصدعا
وهب بشير الصبح يرتاد مطلعا

فما زال يجلو خافيا ومقنعا
إلى أن نضا أدنى الستور وقد وعى

دما طاهرا أجراه إثم فتى نذل

دم كان سرا في البتول مقدسا
فلما أراقته ابتذالا تدنسا

أفي لحظة تغدو المصونة مومسا
وتضحي عروس البغي إكليلها الأسى

ومرقدها بعض الحجارة والرمل

فما الكوكب الدري زل وأعتما
ولا الملك الهاوي طريدا من السما

بأعجل من ليلى سوقطا وأعظما
فلو رضيت بالموت بعلا وإنما

أترضى به بعلا سوى امرأة أهل

مضت سنة تصفو الليالي وتعذب
مرارا وليلى دائما تتعذب

صبور على جمر الغضا تتقلب
جفاها الأولى قدما إليها تقربوا

وما لقيت منهم سوى الصد والخذل

وكان جميل كالنساء له حلى
ويكسى جلابيب الحرير تبذلا

تسلفه ليلى جنى خزيها ولا
تضن عليه خوف أن يتحولا

ويفلت منها وهي في أشهر الحمل

فيأخذ مال السحت والعيب رشوة
ويسخو كما لو كان يملك ثروة

يشارك فيه والديها وإخوة
تعولهم أكلا ومأوى وكسوة

وتحرم ليلى طيب النوم والأكل

وكم سافل من مثله رقي الذرى
وتاه على القوم الكرام تكبرا

بمرتزق ياتيه من حيث لا يرى
كأن له كنزا خفيا عن الورى

هداه إليه ساحر ضارب الرمل

أقام زمانا غير واف بوعده
وليلى ثبوت في صيانة عهده

وتهواه حتى في إساءة قصده
وتحمل منه المطل خشية بعده

وتقبل منه ما يمر وما يحلي

مصائبها برأنها من خطائها
وحررنها من خبثها وريائها

عفا ربها عنها لصدق ولائها
وأخلصها حرقا بنار شقائها

وطهرها غسلا بمدمعها الجزل

فلما قضت من عدة الحمل أشهرا
شكت ألما يستنفد الصبر منكرا

وكانت على المألوف تشرب مسكرا
وتتعب حتى يطلع الفجر مسفرا

فتمضي بجسم خائر العزم معتل

فقالت لمن تهوى أراني ضئيلة
فإن تفني مالي يكن لي وسيلة

لأشفى وإلا مت حبلى عليلة
ففرحها بالوعد إفكا وحيلة

وفر فرار اللص من حوزة العدل

وطال عليها يومها في التوقع
ومر زمان بعده في التوجع

تبيت على مهد الأسى والتفجع
وتصبح في يأس أليم مصدع

وليس لها مشك وليس لها مسلي

أيهتك عرض البكر وهو مخاتل
ويسرق ما تجنبه ما زلاء حامل

ويردي ابنه المسكين والعدل غافل
فوا خجلتا زان ولص وقاتل

ويكرم بين الناس إكرام ذي نبل

وليل أشد الداء أيسر خطبه
بطيء كأن الموت فرجة كربه

تجنى على ليلى بأنواع حربه
ومد لها شوكا بأنوار شهبه

وألحق من آمالها العلو بالسفل

أضاعت به مما تقاسيه رشدها
وعانت من الأوصاب فيه أشدها

يغالب آنا وجدها فيه حقدها
ويغلب آنا حقدها فيه وجدها

وتصرخ من فرط التألم والإزل

أيا رب إني حامل ثم مرضع
ومالي من القوت الضروري مشبع

أبي موسعي ذما وأمي تقرع
وأشعر أن ابني بجوفي موجع

فهل هو جان أم يعذب من أجلي

لقد بعت كل امقتنى ورهنته
وأنفقت حتى خاتما منه صنته

هو العهد من ذاك الخؤون أؤتمنته
ضننت به من حيث كنت ظننته

لعودته لألا فزال به فألي

إلهي قد يجني ملاك تحسرا
ويخطيء عان إن خطا فتعثرا

ويأتي وليد إن تبسم منكرا
ولكن جنين لا يفوه ولا يرى

أفي العدل أن يجزى برئيا بذنب لي

لتهنئك يا بنت النعيم سعادة
كما شئتها تأتي وفيها زيادة

وتهنئك من بعل كريم عبادة
ويهنئك حمل طاهر وولادة

وطفل ربيب المجد والسعد والدل

تجف دمائي ما تفكرت أنني
على وشك وضع والشقاء يحفني

فلا يد ذي ود ولا وجه محسن
أهم برزق يستفاد فأنثني

وقد ناء بي عن قصده ثقل الحمل

ألا لم هذا الطفل يحيا ولا أبا
له اليشقيى شقوتي ويعذبا

كفى قلب أحنى الوالدات تحوبا
أيأتي فريا ذلك القلب إن أبى

حياة الأسى والجوع للولد النغل

أتغنيك من مهد بقية أضلعي
ويغنيك من شدو نواح تفجعي

وهل تتغذى من فؤاد مقطع
وتشرب ماء من سواكب أدمعي

وهل تتردى العار للستر يا نجلي

فيا ولدي المسكين فلذة مهجتي
ويا نعمة عوقبت فيها بنقمة

ومن كنت أرجوه لسعدي وبهجتي
وكان يناجيه ضميري بمنيتي

وآمل أن يحيا ويرجع لي بعلي

تموت ولما تستهل مبشرا
تموت ولم أنظر محياك مسفرا

تفارق قبرا فيه عذبت أشهرا
إلى جدث منه أبر وأطهرا

وتحيا صغار الطير دونك والنحل

تموت وما سلمت حتى تودعا
وأمك تسقيك السموم لتصرعا

وتنفيك من جوف به كنت مودعا
لتخلص من عيش ثقيل بما وعى

من الحزن والآلام والفقر والذل

فإن تلق وجه الله في عالم السنى
فقل ربي اغفر ذنب أمي محسنا

فما اقترفت شيئا ولكن أبي جنى
علينا فعاقبه بتعذيبه لنا

وأمطره نارا تبتليه ولا تبلي

كفرت بحبي في اشتداد تغضبي
فعفوك يا ابني ما أبوك بمذنب

فقل رب أمي أهلكتني لا أبي
وأمي زنت حتى جنت ما جنته بي

فزدها شقاء واجزها القتل بالقتل

رأت شهب الظلماء مشهد ظلمها
وقد أسقطت منها الجنين بسمها

فلم تتساقط مغضبات لحطمها
وأشرب نور الشمس من دم إثمها

كما يلغ الضاري الدماء ويستحلي

على أن ليلى بعد عام تصرما
سلت وسلا المغري لها ما تقدما

وعاش جميل ناعم البال مكرما
كأنهما لم يستبيحا محرما

إذا التقيا باللحظ يما تبسما
لدكرى شهيدين البكارة والطفل