حييت يا ذات المقام السامي - جبران خليل جبران

حييت يا ذات المقام السامي
بتحية الإكبار وافعظام

اليمن والإقبال عادا في زها
يوم له شرف على الأيام

عيد يجدد للبلاد واهلها
بهجاته بتجدد العوام

راع العقول بآيتين تراءنتا
في أفقه المتهلل البسام

الشمس في عليائه مجلوة
ويد النوال تصوب صوب غمام

مصر التي أعززتها وحببتها
عن ظهر نفس منك حب غرام

وأبيت إلا أن يكون مرامها
فيما شغلت به أجل مرام

جعلت لركبك من سواد قطينها
سودا ومن ساداتها العلام

حفلوا لأم المحسنين وأومأوا
يتجلة مصدوقة وسلام

يبدون من وحي النفوس إشارة
لطفت وللوحي اللطيف مرام

يا أهل هذي الدار برحت بكم مأهولة مرفوعة الأعلام

فإذا نأيتم لا حرمنا عودكم
من عيب مترقببن كرام

إني لألهم يا مفداة الحمى
قولا وتنبو دونه أقلامي

شتان ما بين الذي يدنينه
ومكانه العالي من الإلهام

من لي بوصف عظائم خلدتها
لم تتسق لمخلدين عظام

أثر الأصادق عنك ما لم يأثروا
عن أمهات المجد في الإسلام

منن شملت بها المشارق فانتفى
فيما وسعن تباين الأقوام

في كل قلب صورة لك أنزلت
من كل قلب منزل الإكرام

ماذا وجدت من الثناء عليك في
أثناء كل ترحل ومقام

دارجت ذكرك والسفين مدائن
حملت على ظهر الخضم الطامي

فكأنما النسمات وهي مقلة
نفحاته تسري بنشر خزام

دارجت ذكرك في الحزون وفي الربى
من صاقب الطراف والمترامي

فرايت من زهر الرياض هشاشة
لحديثه تبدو من الأكمام

وطربت للأطيار شادية به
ونقعت في مجرى الصفاة أوامي

دارجت ذكرك في الحواضر والقرى
بين المروج الخضر والآكام

فبدا لي المعمور معمورا به
في كل مجتمع وكل مقام

أي المحامد لم تكن لك نفحة
فيه تهز رصينة الأحلام

من بر برك بالأيامى وانتخى
منحاكم حدب على الأيتام

ولمن سواك إذا تضرمت القرى
اشفى ندى في إثر كل ضرام

ومن التي في دفع كل ملمة
هي كعبة الآمال للمعتام

وعناية محجوبة ليست ترى
إلا بما تسدي من الإنعام

هذي تحية شاعر يقضي بها
حق العلى في العام بعد العام

يجلو بديع نظامها ما تنجلي
عنه صفاتك في بديع نظام

برئت كذاتك وهي مرآة لها
من كل غاشية تريب وذام

تتحول الدنيا تحول أهلها
والعهد عدي والذمام ذمامي

ولقد ألام على الوفاء فما أرى
لي مادحين كزمرة اللوام

هل للفتى عمران يفني فيهما
قلبين بين النقض والابرام

إن الوفاء سجية لم يؤتها
إلا رجال الرأي والإقدام

عيشي وابلي الدهر واغتفري له
بالصالحات كبائر الآثام

تلك المآثر للدوام بنيتها
وساك من يبني لغير دوام