هَلْ كَانَ حِينَ قُتِلْتَ سَلْبُ السَّالِبِ - خليل مطران

هَلْ كَانَ حِينَ قُتِلْتَ سَلْبُ السَّالِبِ
أَقْسَى الرَّدَى أَمْ كَانَ ثَلْبُ الثَّالِبِ

خُتِمَتْ بِمَوْتِكَ نَكْبَةٌ وَتَواَصَلَتْ
أُخْرَى وَرَاءَ الْمَوْتِ ذَاتَ غَرَائِبِ

الحَوْلُ بَعْدَ الْحَوْلِ مَرَّ وَلِلرَدَى
حَوْلَيْكَ تَرْدِيدِ الصَّدَى المُتَجَاوِبِ

لَوْلاَ تَنَزَّلَتِ البَرَاءَةُ مِنْ عَلٍ
مَا رَدَّ عَنْكَ القَبْرُ غَيْبَةَ غَائِبِ

هَبَطَتْ إِلَيْكَ فَطَهَّرَتْ ذِكْرَاكَ مَنْ
رَمْيِ الوُشَاةِ نَقَاءَهَا بِشَوَائِبِ

غَامَتْ عُيونُهُمُ بِفُلِّ قُلُوبِهِمْ
فإذَا السَّماءُ الصَّحْوُ ذَاتَ سَحَائِبِ

تِلْكَ البَرَاءَةُ فَلْتُمَثَّلْ فِي حُلَى
عَذْرَاَ تَزْهُو بِالجَمَالِ الخَالِبِ

وَعَلَى ضَرِيحِكَ فَلْتُشَيَّدْ صُورَةٌ
مِنْ مَرْمَرٍ صَافٍ لِتِلْكَ الكَاعِبِ

الصبْحُ طَلْعَتُهَا لا وَمَعْدَنُ حُسْنِهَا
عَدْنٌ وَتَاجُ الرَّأْسِ عَقْدُ كَوَاكِبِ

لِلْرُوحِ فِي قَسَمَاتِهَا لُطْفٌ يُرَى
والجِسْمُ طُهْرٌ مُفْرَغٌ فِي قَالَبِ

قَدْ شَارَفَتْكَ فَلَطَّفَتْ بِتَبَسُّمٍ
عَذْبٍ مَرَارَةُ دَمْعِكَ المُتَسَاكِب

وَبِأَنْمُلاَتٍ كَالأَشِعَّةِ أَوْمَأَتْ
تَنْفِي ظُنُونَ السُّوءِ نَفْيَ غَيَاهِبِ

وَبِأَخْمَصٍ مُتَثَاقِلٍ دَاسَتْ عَلَى
أَشْبَاهِ حَيَّاتٍ سَعَتْ وَعَقَارِبِ

رَمْزَاً إلى أَهْلِ السَّعَايَاتِ الأُلى
فَشِلُوا وَبَاؤُا بالرَجَاءِ الخَائِبِ

فَإِذَا اسْتَتَمَّتْ وَاسْتَوى تِمْثَالُهَا
مِلْءَ العُيونِ بِحُسْنِهِ المُتَنَاسِبِ

كُنْ مُلْتَقَى لأَشِعَّةٍ مِنْ لَحْظِهَا
تُرْمَى بِهَا عَنْ قَوْسِ أَرْأَفِ حَاجِبِ

وَلِيَنْقُشُوا لَكَ صُورَةً يَبْدُو بِهَا
مَا كضانَ مِنْ عَجَبٍ بِشَأْنِكَ عَاجِبِ

نَقْشَاً يُلاَنُ لَهُ الصَّفَاوِيةُ تُرَى
فِي شَكْلِ مَظْلُومٍ أَسْيِفٍ شَاحِبِ

تَحْتَ الجَرَاحَاتِ الَّتِي فِي جِسْمِهِ
أدْمَى جِرَاحَاتِ الفُؤَادِ الذَّائِبِ

جَاثٍ عَلَى أقْدَامِهَا بَلَغَ الأَسَى
مِنْهُ مَبَالِغَهُ وَلَيسَ بِغَاضِبِ

لاَ عُمْرُهُ المَفْقُودُ عِلَّةَ بَثِّهِ
كَلاَّ وَلاَ نُعْمَى الثَّرَاءِ الذَّاهِبِ

بَلْ جُوْرُ قَوْمٍ كَانَ فِيهِمْ عِزَّةً
لِلْمُسْتَعِزِّ وَغِنْيَةٌ لِلطَّالِبِ

أَدْرَوهُ مَا لَمْ يَدْرِ قَبْلَ مَمَاتِهِ
مِنْ صَدِّ أَحْبَابٍ وَبُعْدِ أَقَارِبِ

لَمْ يَكْفِهِمْ إِنْ مَاتَ حَتَّى يعَكَّروا
بِغُبَارِهِمْ جَوَّ الشَّهَابِ الغَارِبِ

وَأَشَدُّ فِي التَّنْكِيلِ مِنْ كَأْسِ الأَذَى
وَضْعُ القِذَى فِي كَأْسِهِ لِلْشَّارِبِ

مَا الوَحْشُ إِنْ غَالَ الرَّميمُ بِقُبْحِ مَنْ
قَالَ النَّمِيمُ لِنَهْشِ عِرَضِ الغَائِبِ

فَاظْنُنْ بِمَنْ يَغْتَابُ مَقْتُولاً وَقَدْ
أَعْيَا فَمَا يَسْطِيعُ نُبْسَةَ عَاقِبِ

وَاظْنُنْ بِمَا هُوَ فَوْقَ ذَاكَ نِكَايةٌ
مِنْ جَفْوَةِ الأَدْنَى وَغَدْرِ الصَّاحِبِ

جَأَروا وَمَا أَخْفُوهُ تَحْتَ نَحِيبِهِمْ
جَعْلِ المَصِيبَةِ فَوْقَ نَدْبِ النَّادِبِ

هَذَا هُوَ الرَّسْمُ الخَلِيقُ بِأَنْ يُرَى
فِي ظَهْرِ قَبْرِكَ مَاثِلاً لِلَّرْاقِبِ

فِي صَمْتِهِ الأَبَدِيِّ أَبْلَغِ وَاعِظٍ
لأُلَى النَّهَى بِلِسَانِ أَفْصَحِ خَاطِبِ

تَوْفِيقُ نَمْ وَزُرِ الحَسُودَ مُؤَرِّقاً
مَا عَاشَ مَوْكُولاً لَهَمٍّ نَاحِبِ

لِلْمَوْتِ رَوْحُ زِيدَ عَنْكَ هُنَيْهَةً
فِي شَبْهِ حِلْمٍ مُثْقَلٍ بِمَتَاعِبِ

ذَادُوه عَنْكَ فَبُتَّ أَقْلَقَ مَنْ ثَوَى
حَيْثُ القَرَارُ يَكُونُ أَمْنَ الهَائِبِ

لَكِنَّ عَدْلاً لاَ يَنِي مُتَعَقًِّباً
لِلْظُلْمِ بَيْنَ مُصَابِرٍ وَمُعَاقَبِ

كَشَفَ اللِّثَامَ عَنِ الحَقِيقَةِ فَانْجَلَتْ
تَعْدِي الضَّيَاءَ عَلَى الظَّلاَمِ الهَارِبِ

النَّاهِشُو الأَعْرَاضِ فِي خَسْرٍ وَإِنْ
لَمْ تَتَّصِمْ أَعْرَاضُهُمْ بِمَثَالِبِ

كَيْفَ الوُشَاةُ وَقَدْ رَمُوكَ بِمَا بِهِمْ
مِنْ مَنْقَصَاتٍ جَمَّةٍ وَمَعَايِبِ

حَسَدُوكَ لَمْ يَعْفُوا أَخَاكَ وَإِنَّمَا
فَعَلُوا لِحِرْصٍ فِي الطَّبَِائِعِ غَالِبِ

فَالمَحْمَدَاتُ وَأَنْتُمَا فِي جَانِبٍ
وَالمَخْزَيَاتُ وَرَهْطُهُمْ فِي جَانِبِ

مَاذَا تَرَكْتَ مِنَ المَقَامِ لِشَحِّهِمْ
تِلْقَاءَ سَيْبٍ كَالغَمَامِ الصَّائِبِ

وَلِسُوْءِ مَسْعَاهُمْ وَقِلَّةِ كَسْبِهِ
فِي جَنْبِ مَسْعَاكَ الجَمِيلِ الكَاسِبِ

قَدْ بَاعَدوا الخُطَوَاتِ في طَلَبِ العُلَى
فَتقَاصَرُوا عَنْ خَطْوِكَ المُتَقَارِبِ

وَهَدَاكَ دُونَهُمُ السَّبِيلُ إلى الَّذي
لَمْ يَبْصُرُوهُ نُورَ فِكْرٍ ثَاقِبِ

أَنْ يَقْتَضُوكَ شَمَائِلَ لَمْ تُؤْتَهَا
فَمَطَالِبُ البَاغِينَ شَرًُّ مَطَالِبِ

النَّاسُ إِمَّا حَاسِبٌ أَوْ مُحْرِزٌ
جَاهاً يُصَرِّفُ فِيهِ ذِهْنَ الحَاسِبِ

وأَخُوا المَآثِرِ هَلْ يُقَلَّلُ مَجْدُهُ
أَنْ لاَ يَكُونَ بِعَالِمٍ أَوْ كَاتِبِ

آلَيْتَ بِالحُسْنَى أَلِيَّةَ عَارِفٍ
بعُلُوِّهَا عَنْ شُبْهَةٍ مِنْ كَاذِبِ

مَا ضَارَ مَنْ ذَمَّ النُضَارَ وَرَبَّمَا
كانَتْ نقِيصَتُهُ بِعَيْنِ العَائِبِ

هَلْ مَعْدَنُ التِّيْجَانِ بَخْسٌ حَقُّهُ
إِنْ يَأْبَ طَبْعَ أَسِنَّةٍ وَقَوَاضِبِ

أَدْرَكْتَ مِنْ كَرَمٍ وَهُمْ لَمْ يُدْرِكُوا
مَا لِلْحَوَادِثِ مِنْ بَعِيدِ عَوَاقِبِ

الجَوْدُ لِلْمُبْقِي عَلَى أَمْوالِهِ
هُوَ أَوَّلُ الرَّأْي السَّدِيدِ الصَّائِبِ

وَبِهِ يُوقَى العَالِمُونَ تَحَوُّلاً
رَاعَ النُّهَى بِنَذِيرُهِ المُتَعَاقِبِ

هَلْ بَعْدَ مَعْرِفَة الجُمُوعِ بِحَقِّهَا
يَرْتَاضُ سَاغِبُهَا لِغَيْرِ السَّاغِبِ

إِنْ لَمْ تَصِبْ مِنْ كُلِّ نُعْمَى حَظَّهَا
لَمْ تَأْمَنِ الدُّنْيَا كِبَارَ مَصَائِبِ

ادْوَرَدُ يَا أَوْفَى الرِّجَالِ إِذَا دَعَا
في حِينِهِ دَاعِي الْقِيَامِ بِوَاجِبِ

يَا مُحْرِزاً بِدُؤُوبِهِ وَبِجَدِّهِ
أَسْمَى مَكَانٍ لِلْمُجِدُّ الدََّائِبِ

دُمْ سَالِماً يَفْدِيكَ مَصْرعُ فَرْقَدٍ
عَنْ ذُرْوَةِ المَجْدِ المُؤَثَّلِ غَأرِبِ

وَالْبَثْ وَحِيداً بَيْنَ قَوْمِكَ ظَاهِراً
بِمَحَامِدَ مَشْهُورَةٍ وَمَنَاقِبِ

لَوْ فُوضِلَتْ أَسْمَاءُ رَبِّكَ تُوَجِّتْ
أَسْمَاءُهُ الحُسْنَى بِوَصْفِ الوَاهِبِ