سَلِمْتَ لَوَ أَنَّ السَّهْمَ سَهْمُ مُقَاتِلِ - خليل مطران

سَلِمْتَ لَوَ أَنَّ السَّهْمَ سَهْمُ مُقَاتِلِ
وَلَكِنَّ مَا أَصْمَاكَ سَهْمُ مُخَاتِلِ

تَغَافَلَ مِنْكَ الرَّأْيُ ظَرْفَةَ مُقْلَةٍ
فَخُوِلِسْتَهَا وَالدَّهْرُ لَيْس بِغَافِلِ

وَقَدْ عَلِمَ المَوْتُ الَّذِي بِتَّ حَرْبَهُ
مِرَاسَكَ فِي دَفْعِ الرَّزَايَا الجَلاَئِل

وَلَكِنَّهَا الأَعمَارُ إِنْ هِيَ عُوجِلَتْ
فَلاَ حوْلَ فِي رَدِّ القَضَاءِ المُعَاجِلِ

قَضَاءٌ بِإِفْنَاءِ الْحَيَاةِ مُوَكَّلٌ
إِلَى أَنْ يَكُونَ المَوْتُ آخِرُ زَائِلِ

فَلَيْسَ بِمُنْجٍ مِنْهُ قَلْبُ مُنَاضِلٍ
إِلَى آخِرِ الأَنْفَاسِ أَو عَزْمُ بَاسِلِ

وَلاَ حِرْصُ أَحْنَى الوَالِدَاتِ عَلَى ابْنِهَا
وَلاَ جُهْدُ أَوْفَى بَرَّةٍ فِي الْعقَائِلِ

وَمَنْ لَمْ يَمُتْ بِالدَّاءِ فَالطِّبُّ لَمْ يَزَلْ
سِلاَحَ المَنَايَا فِي يَدَيْ كُلِّ جَاهِلِ

لَهُ الوَيْلُ مِنْ لَيْلٍ طَوِيلٍ وَسَاعَةٍ
حَسِبْنَا المَدى فِي سَيْرِهَا المُتثاقِل

نَرَى شُهْبَهُ وَالدَّمْعُ يَغشى عُيُونَنَا
تَلُوحُ وَتَخْفَى كَالدمُوعِ السَّوَائِلِ

وَنَسْمعُ مِنْهُ فِي السُّكُونِ تَنَهُّداً
وَذَاكَ صَدَى أَنْفَاسِنَا فِي المَخَايِلِ

وَقَفْنَا بِهِ نقضِي وَدَاع حَبِيبِنَا
حَيارَى كَاشْبَاحٍ بَوَاكٍ ثَوَاكِلِ

نَنَادِي أَبرَّ الأَصْدِقَاءِ وَلَمْ يكنْ
يُخَيِّبُ إِذْ يُدْعَى رَجَاءً لآمِلِ

نُنَادِي أَبَا جِبْرِيلَ بِاسْمِ وَحِيدِهِ
وَقَدْ كَانَ لاَ يُعْتَاقُ عَنْهُ بِشَاغِل

فَتَى المَجْدِ إِنَّ القَوْمَ جَالوا وَسَاجَلُوا
وَأَرخَى عِنَانَ الرَّأْيِ كلُّ مُطَاوِلِ

فَأَيْنَ الَّذِي كَانَ المُقَدَّمَ فِيهِمُ
وَكَانَ وَدِيعَ النَّفْسِ عَفَّ الشَّمَائِل

وَأَيْنَ الَّذِي صَمْصَامُهُ دُونَ عَزْمِهِ
مَضَاءٍ إِذَا مَا اسْتَلَّهَ فِي المَعَاضِلِ

وَأَيْنَ الَّذِي كَانَتْ بوَادِرَ فِكْرِهِ
تَخَطُّفَ بَرْقٍ فِي قُطُوبِ المَشَاكِل

وَأَيْنَ الَّذِي فِي كُلِّ مِصْرٍ يحُلُّهُ
لَهُ المَنْزِلُ المَرْفُوعُ بَيْنَ المَنَازِلِ

وَأَيْنَ الَّذِي مِيعَادُهُ غَيْرُ مُخْلَفٍ
وَتَسْبِقُ مِنْهُ القَوْلَ غُرُّ الفَعَائِل

أَلاَ فِي سَبِيل اللهِ أَوْفَى مُفَارقٍ
وَفِي ذِمَّةِ العَلْيَاءِ أَكْرَمُ رَاحِلِ

وَذَاكَ الشَّبَابُ الغَضُّ وَالْهِمَّةُ الَّتِي
تَدُوسُ إِلى غَايَاتِهَا كُلَّ حَائِل

وَتِلْكَ الْعُيونُ النَّاطِقَاتُ لِحَاظُهَا
بِأَجْلَى بَيَاناً مِنْ مَقَالَةِ قَائِلِ

وَذَاكَ الفُؤَادُ الثَّبْتُ فِي كُلِّ أَزْمَةٍ
إِذَا مَرَّتِ الأَحْدَاثُ مَرَّ الزْلاَزِلِ

بِشَارَةُ جَلَّ الخَطْبُ فِيكَ وَإِنَّهُ
لَخَطْبٌ عَمِيمٌ لِلْعُلَى وَالْفَضَائِلِ

فَإِنْ تَبْكِ مِصْرٌ فَهْيَ تَبْكِي مُصَابَهَا
بِأَرْوَعَ مَيْمُونِ النَّقِيبَةِ فَاضِلِ

وَإِنْ تَبْكِ سُورِيَّا فَقَدْ كُنْتَ رُكْنَهَا
وَكُنتَ أَبَرَّ ابْنٍ لأَجْزَعِ ثَاكِلِ

وَإِنْ تَبْكِ أَربابُ الصَّحَائِفِ تَرْحَةً
فَقَدْ يَعْرِفُ التَّالُونَ فَضْلَ الأَوَائِل