من حق ركبك أن يهز النيلا - أحمد محرم

من حق ركبك أن يهز النيلا
ويشوق عصرك بهجة ً والجيلا

أرضيت إلا بالعيون ركائباً
وقنعت إلا بالقلوب سبيلا

حيث وفود النيل منك موقراً
يزري بأبهة الملوك جليلا

لما مشى بين المواكب لم يدع
لمتوجٍ عرشاً ولا إكليلا

تمشي الجموع إلى إمام هداتها
وتؤم شيخ حماتها المأمولا

قل للكنانة جد جدك فانظري
أترين إلا سيفك المسلولا

خوضي الغمار إلى الفتوح نرى لها
غرراً تضيء بها الدنى وحجولا

دلف الفوارس في لوائك حسراً
ومضوا رعيلاً للوغى فرعيلا

يتقارعون على الشهادة أيهم
يمسي لطه في الجنان نزيلا

أمعاود الأوطان بعد فراقها
أنويت إلا فرقة ً ورحيلا

ما زلت مغترب الأسنة والظبي
فمتى تريد من الجهاد قفولا

بعد القرار فسر بقومك هادياً
واطو المدى ميلاً إليه فميلا

قصرت مسافته فما برح الألى
ركبوا الهوى حتى تباعد طولا

حملوا الحماية فالبلاد مروعة ٌ
والشعب ينظر نعشه المحمولا

لو كنت شاهدهم غداة مشوا بها
وجوانب الوادي تموج طبولا

أيقنت أن من الشعوب أجنة ً
وعلمت أن من البلاد طلولا

من غاب عنهم من بني الدنيا فما
عرف المسيخ ولا رأى عزريلا

هم فرقوا الشمل الجميع ومزقوا
ما ألف الصيد الأباة فلولا

لو كنت من ظلل الغمام بمنزلٍ
لرأيت حزباً أو لقيت قبيلا

ضربوا الأبوة بالبنين وقطعوا
ما كان من أرحامهم موصولا

الشر يعصف والعدو بغبطة ٍ
والنيل يهتف بالقرى لتزولا

ومدججين رمى الدعاة سوادهم
فمضوا سهاماً للعدى ونصولا

طلبوا بني أعمامهم فكأنما
طلبوا تراتٍ عندهم وذحولا

قوم شفوا غيظ العدى وسياسة ٌ
لم تبق منهم مأرباً أو سولا

أخذوا على النيل السبيل وصادفوا
شعباً يميل مع الرياح ذلولا

حملوا إليه الغول في استقلالهم
فسل المواكب كيف زفوا الغولا

تفتر عن أنيابها وكأنما
أمست عيون بني الكنانة حولا

لولا المداره يدفعون بلاءها
لرأيت حكم جناتها مقبولا

اذكر لنا القوم الغزاة وحيه
شعباً أبر على الشعوب نبيلا

عدت الذئاب فهب من غفواته
يبتز لبدته ويحمي الغيلا

لم يستنم للغاصبين ولم يرد
يوماً على حكم الجفاة نزولا

وإذا استبد الغاصبون بأمة ٍ
مسخت وبدل خلقها تبديلا

ما انفكت الأشلاء نهب سيوفه
حتى تدارك شلوه المأكولا

فزعت خطوب الدهر من سطواته
وارتد صرف الحادثات مهولا

ورأت شعوب الأرض من نهضاته
ملء العقول الواعيات ذهولا

قومي الألى صحبوا الصوافن فتية ٌ
وقضوا لبانات السيوف كهولا

مثل الحياة لكل شعبٍ باسلٍ
لا يستكين ولا يريد نكولا

صلى الإله على الميامين الألى
نصروا النبي وأيدوا التنزيلا

أدر الحديث ورو من أنبائهم
شعباً يزيد على الزمان غليلا

بين له معنى الثبات فليس من
خلق المجاهد أن يكون ملولا

وإذا نظرت إلى الممالك لم تجد
مثل الثبات على الحياة دليلا

ولقد رأيت الناهضين فهل ترى
إلا خلائق سمحة ً وعقولا

إنا لنذكر للكنانة حقها
ونرى الكثير من الوفاء قليلا

نأبى الكرى حتى نقوم بنصرها
ونرد غاصب حقها مخذولا

عهدٌ رعى ورق الشبيبة وانتحى
ظل المشيب فطاب منه مقيلا

لسنا كمن جعل الحياة رواية ً
تعيي العقول مناظراً وفصولا

صورٌ يروعك عدها وملاعبٌ
تلقي عليك من الرياء سدولا

إني أعوذ بمنصبي ومروءتي
من أن أكون الشاعر الضليلا

للحر أخلاقٌ تميل بنفسه
عن أن يغير عهده ويحولا

هي صبغة الباري ولست ترى لما
صبغ الذي برأ النفوس نصولا

ولقد رأيت الفاضلين وما بنوا
للغابرين من القرون الأولى

فعلمت أن من الرجال ذخائراً
وعلمت أن من الرجال فضولا

ورأيت بعض القول دين هداية ٍ
يأتي به الرجل الحكيم رسولا

ليس القريض على النبوغ بنافعٍ
حتى يكون لذي النهى إنجيلا