ومرتبعٍ لُذنا بهِ غبَّ سُحرة - محمود سامي البارودي

ومرتبعٍ لُذنا بهِ غبَّ سُحرة
وللصُّبحِ أنفاسٌ تَزيدُ وتنقُصُ

وقد مالَ للغربِ الهلالُ ، كأنَّهُ
بِمِنْقَارِهِ عَنْ حَبَّة ِ النَّجْمِ يَفْحَصُ

رَقِيقِ حَوَاشِي النَّبْتِ، أَمَّا غُصُونُهُ
فَريَّا ، وأمَّا زهرهُ فمنصَّصُ

إِذَا عَبَتْ أَفْنَانَهُ الرِّيحُ خِلْتَهَا
سَلاسِلَ تُلْوَى ، أَوْ غَدَائِرَ تُعْقَصُ

كأنَّ صِحافَ الزَّهرِ والطَّلُّ ذائبٌ
عُيُونٌ يَسِيلُ الدَّمْعُ مِنْهَا وَتَشْخَصُ

يَكَادُ نَسِيمُ الْفَجْرِ إِنْ مرَّ سُحْرَة ً
بساحَتهِ الشَّجراءِ لا يتخلَّصُ

كأنَّ شُعاعَ الشَّمسِ والرِّيحُ رَهوة ٌ
إذا رُدَّ فيهِ سارِقٌ يتربَّصُ

يَمُدُّ يَداً دُونَ الثِّمارِ، كَأَنَّمَا
يُحاولُ مِنها غاية ً ، ثمَّ يَنكصُ

عَطفنا إليهِ الخيلَ فلَّ مسيرة ٍ
وللقومِ طَرفٌ من أذى السُهدِ أخوصُ

فَمَا أَبْصَرَتْهُ الْخَيْلُ حَتَّى تَمَطَّرَتْ
بِفُرسانِها ، واستتلَعت كيفَ تخلصُ

مَدى لحظَة ٍ حتَّى أتتهُ وماؤهُ
عَلَى زَهْرِهِ، والظِّلُّ لاَ يَتَقَلَّصُ

فَمدَّت بهِ الأعناقَ تَعطو وتختلى
نِهاباً ، وتُغلى فى النباتِ وتُرخِصُ

أقمنا بهِ شمسَ النهار ، وكُلُّنا
عَلَى مَا بهِ مِنْ شِدَّة ِ الْعُجْبِ يَحْرِصُ

فَلَمَّا اسْتَرَدَّ الشَّمْسَ جُنْحٌ مِنَ الدُّجَى
وأعرضَ تيهورٌ منَ الَّليلِ أعوصُ

دعونا بأسماءِ الجيادِ ، فأقبلت
لَواعبَ فى أرسانِها تترقَّصُ

وَقُمْنَا، وَكُلٌّ بَعْدَ مَا كَانَ لاَهِياً
بِأظلالهِ كُرهَ الرَّحيلِ مُنغَّصُ

يَودُّ الفتى ألاَّ يزالَ بِنِعمة ٍ
وليسَ لهُ من صولة ِ الدَهرِ مَخلَصُ

فللَّهِ عينَا من رأى مِثلَ حُسنهِ
وما أنا فيما قُلتهُ أتخرَّصُ

ظَفِرتُ بهِ فى حَقبة ٍ ، فقنصتهُ
على غِرَّة ِ الأيَّامِ ، واللَّهوُ يُقنَصُ