دعوا القولَ فيمنْ جادَ منَّا ومنْ ضنَّا - ابن حيوس

دعوا القولَ فيمنْ جادَ منَّا ومنْ ضنَّا
فَلَيْسَ بِبِدْعٍ أَنْ أَسَأْتُمْ وَأَحْسَنَّا

بلى عجبٌ في الحالتينِ رجاؤنا
لَكُمْ لَيْتَهُ يَأْسٌ وَيَأْسُكُمُ مِنَّا

فكلٌّ رأى طرقَ الهوى غيرَ أنَّكمْ
تَأَخَّرْتُمُ عَنْ قَصْدِها وَتَقَدَّمْنَا

وَقَدْ عَلِمَ التَّوْدِيعُ أَنَّ أَشَحَّنَا
بِصَاحِبِهِ إِذْ جَدَّ أَسْمَحُنَا جَفْنا

وَكَانَتْ دُمُوعُ الْعَيْنِ بِيضاً كَغَيرِهَا
فلمَّا تلوَّنتمْ علينا تلوَّنَّا

فَلاَ تُلْزِمُونَا مَيْنَ وَاشٍ وَشَى بِنَا
خُذُوا الْحَقَّ مِنَّا فِي الْمَوَدَّة ِ إِنْ مِنَّا

لَئِنْ كُنْتُ فِي الْحُبِّ الْمُضِرِّ بِمُهْجَتِي
بِلاَ جَسَدٍ مُضْنى ً فَلِي حَسَدٌ مُضْنَا

كَذَاكَ إِذَا يَمَّمْتُ بِالرَّكْبِ مَنْزِلاً
أجابتْ دموعي قبلَ أنْ أسألَ المغنا

فَحَيَّا وَدَنَّا آللهُ حَيّاً عَلَى اللَّوى
بِحُبِّ كَحِيلِ الطَّرَفِ مِنْ سِرْبِهِ دِنَّا

لَهُ نَظَرٌ يَثْنِي العِدى عَنْ فَرِيقِهِ
ولاَ منكرٌ للطَّعنِ أنْ يمنعَ الطَّعنا

وَرُبَّ جَمَالٍ فِتْنَتِي فِي افْتِنَانِهِ
فلاَ زلتُ مفتوناً ولاَ زالَ مفتنّا

تَحَقَّقْتُ أَنَّ الْوَرْدَ يُجْنى بِخَدِّهِ
وَلَمْ أَدْرِ أَنَّ الْمَوْتَ مِنْ صَدِّهِ يُجْنَا

تَبَاعَدَ هَجْراً وَالدِّيَارُ قَرِيبَة ٌ
فيا طولَ أشواقي إلى الأبعدِ الأدنا

وَنَفْسِي عَلَى العِلاَّتِ فِي الْقُرْبِ والنَّوى
فداءُ الَّذي منّى زماناً وما منَّا

فألاَّ اقتفى أفعالَ زيدِ بنِ أحمدٍ
مكمِّلِ ما فيهِ منَ الحسنِ والحسنا

فكمْ سنَّة ٍ مأثورة ٍ سنَّ في النَّدى
وَكَمْ غَارَة ٍ شَعْوَاءَ فِي مَالِهِ شَنّا

رَأَى الدَّهْرَ وَثَّاباً عَلَى كُلِّ مَا رَأَى
وَأَخْنى عَلى مَا حَازَ وَالدَّهْرُ مَا أَخْنَا

فَلَوْ سِيلَ عَنْ أَمْجَادِهِمْ مَنْ أَعَفَّهُمْ
لِما في يديهِ قالَ زيدٌ وما استثنا

إذا عنَّ مجدٌ كانَ أطولهمْ يداً
وَإِنْ عَزَّ قَوْلٌ كَانَ أَحْضَرَهُمْ ذِهْناً

يروقكَ مرأى ً ثمَّ يسترُ حسنهُ
فتلقى منَ الإحسانِ ما يفضلُ الحسنا

ضَمِيرٌ عَلَى غَيْرِ السَّلاَمَة ِ مَا انْطَوى
وقلبٌ إلى غيرِ الفضائلِ ما حنَّا

جَدِيرٌ بِإِذْلاَلِ الْخُطُوبِ إِذَا سَطَا
عَلِيمٌ بِإِضْمَارِ الْغُيُوبِ إِذَا ظَنَّا

إِذَا هُزَّ مَنْ يُرْجى لُهَاهُ فَعِنْدَهُ
غُصُونُ ارْتِيَاحٍ لاَ تُهَزُّ وَلاَ تُحْنَا

أَيَا مُبْدِلَ الْعَافِينَ مِنْ فَقْرِهِمْ غِنى ً
وَمِنْ ذُلِّهِمْ عِزّاً وَمِنْ خَوْفِهِمْ أَمْنَا

وَيَاذَا الْعَطَايا تَسْتَقِلُّ جَزِيلَهَا
فما تتبعُ المنَّ اعتداداً ولاَ منَّا

كَفى النَّاسَ مِنْ عُلْيَاكَ قَوْمٌ غِناهُمُ
فقرُّوا وعنّى كاذبُ الظَّنِّ مَنْ عنّا

همُ حاولوا الحمدَ الَّذي أنتَ أهلهُ
بكلِّ فعالٍ يوجبُ الذّمَّ واللَّعنا

ففازوا منَ البحرِ الَّذي جبتَ لجَّهُ
إِلى الْحَمْدِ بِالْمَوْجِ الَّذِي أَغْرَقَ السُّفْنا

قضى اللهُ في الدُّنيا لهمْ ذمَّ أهلها
وَيَوْمَ الحِسَابِ لاَ يُقِيمُ لَهُمْ وَزْنا

لأعضائنا شغلٌ لمجدكَ شاغلٌ
عنِ الدِّينِ والدُّنيا إذا ذكرهُ عنَّا

فمنْ ناظرٍ يرنو ومنْ مسمعٍ يعي
ومنْ مقولٍ يُثني ومنْ خِنصَرٍ تُثنا

وَلَوْ لَمْ يَضِحْ مَعْنى النَّدى بِكَ لِلْوَرى
لَكَانَ عَلَى عَادَاتِهِ اسْماً بِلاَ مَعْنا

فلاَ سقتِ الأنواءُ رائدَ نجعة ٍ
رأى الغيثَ في كفَّيكَ وانتجعَ المُزنا

وَإِنَّا لَمَفضُولُونَ وَالْفَضْلُ بَيِّنٌ
إذا نحنُ قسنا ما تقولُ بما قلنا

غَرَائِبُ فِكْرٍ لَمْ يَجُلْ قَطُّ مِثْلُها
بِفِكْرٍ وَلَمْ يُتْحِفْ لِسَانٌ بِها أُذْنا

يَرى حَزْنَها سَهْلاً وَأَفْضَلُ مَنْ يَرى
وَإِنْ لَجَّ في الدَّعْوى يَرى سَهْلَها حَزْنا

بَدَائِعُ لاَ تَدْرِي أَزَيْدٌ أَفَادَها الْ
ملاحة َ أمْ القريضُ لها لحنا

تهيِّجُ لي الأطرابَ عندَ سماعها
إلى أنْ نظنَّ أنَّ منشدها غنّا

وكمْ أخذتْ بي في فنونٍ كثيرة ٍ
مساعيكَ لمَّا رُمتُ منْ وصفها فنّا

فَيَا مَنْ حَبَانِي الفَضْلَ في بَعْضِ مَا حَبَا
فأيقنتُ أنَّ الوفرَ أيسرُ ما أقنا

تَجَاوَزْ إِذَا أَخَّرْتُ مَدْحَكَ حِشْمَة ً
لتقصيرهِ عنْ كنهِ قدركَ لا ضنَّا

وزعتُ رجائي عنْ ندى كلِّ باخلٍ
يُنَوِّلُ بِاليُسْرى وَيَسْلُبُ بِاليُمْنا

ووفَّرتُ قسمي منْ صفاءِ مودَّة ٍ
مكاني بها الأعلى وحظِّي بها الأسنا

إِذَا خِفْتُ كَانَتْ لِي مَجِنّاً مِنَ الرَّدى
وَإِنْ رُمْتُ أَثْمَارَ الغِنى فَهْيَ لِي مَجْنا

وإنِّي متى حاولتُ سيبكَ ظالمٌ
وفي بعضِ ما نوَّلتني منهُ ما أغنا

فجدْ بالعطايا عنْ أمانيَّ عمَّها
جَمِيلُكَ لاَ أَنِّي أَسَأْتُ بِكَ الظَّنّا

وَلَكِنْ أَرى غَبْناً لِمَالِكَ أَخْذَهُ
بما فقتني فيهِ وما أشتهي الغبنا

كَفَاكَ الإلَهُ فِي أَجَلِّ هِبَاتِهِ
صروفَ الرَّدى ما أطلعتْ دوحة ٌ غصنا

فَتى ً يَمَّمَتْ أَفْعَالُهُ الْمَجْدَ نَاشِئاً
إلى أنْ علاَ في كسبهِ منْ علاَ سنَّا

هوَ الأبيضُ الصَّمصامُ عزماً وهزَّة ً
وَإِنْ كانَ يَحْكِي لَوْنُهُ الأَسْمَرَ اللَّدْنا

سَمَتْ رُتْبَة ُ الأَيَّامِ مُنْذُ أَتَتْ بِهِ
وقدرُ المعالي منذُ صارَ بها يُكنا

أَمِنَّا بِكَ الدَّهْرَ الْمَخُوفَ فَكُلَّما
دَعَا لَكَ دَاعٍ بِالسَّلاَمَة ِ أَمَّنّا

وَرُعْنَا بِكَ الأَحْدَاثَ حَتّى كَأَنَّما
حَطَطْنَا عَلَى الأَحْدَاثِ مِنْ يَذْبُلٍ رُكْنا

بقيتَ برغمِ الحاسدينَ مؤهَّلاً
لإعدادِ ما يبقى وإنفادِ ما يفنا

مطلاًّ على الدَّهرِ الَّذي أنتَ عينهُ
ومستخدماً فيهِ السَّعادة َ واليمنا