سقياً لمَثْناة ِ الحجاز وطيبها - ابن معصوم المدني

سقياً لمَثْناة ِ الحجاز وطيبها
ولسُوحِ رَوضتِها وسَفح كثيبِها

وظِلالِ دوحٍ في شَريعتها التي
تنسابُ بين مَسيلها ومَسيبِها

ورياضِ بَحْرتها التي فاقت على
كلِّ الرِّياض بحسنِها وبطيبها

يَنفي الوَبا عن مائِها وهوائِها
وترابِها ما صحَّ من تَركيبها

لله عَقْوتُها التي نالت بها
نفسي من اللَّذات كلَّ نصيبها

كم بتُّ فيها ساحباً ذيلَ الصِّبا
أختالُ بين رَبابِها ورَبيبها

ويكفُّني حلمُ الحِجا حتى إذا
دبَّت حُميَّا الكأسِ بعض دَبيبها

مزَّقتُ جلبابَ الوَقار بصبوَة ٍ
ما زال دهري مُعجَباً بعجيبها

واهاً لها من ليلة ٍ لم يألُ لونُ
سُلافِتا الذَّهبيُّ في تذهيبِها

كم شنَّفتْ كأساً بدُرِّ حَبابها
بل كم شفت نفساً بقُرب حبيبها

يا ساقيَ الراح الشهيَّة هاتِها
وأرحْ براحَتها فؤادَ كئيبها

قرِّب كؤوسَك ـ لا نأيتَ ـ فلا غِنى ً
إن رمتَ بُعدَ الهمِّ من تقريبها

أدِم اصطِباحاً واغتباقاً شِربَها
فالأنسُ موقوفٌ على شرِّيبها

صِفها بأحستِ وصفِها ونُعوتها
واختَزْلها الألقابَ في تَلقيبها

حمراءُ تسطعُ في الكؤوس كأنَّها
ياقوتة ٌ ذابتْ بكفِّ مُذيبها

صرفت همومَ الشاربين بِصرْفها
وافترَّ ثغرُ الكأس من تَقطيبها

لو لم يكنْ في الرَّوض مغرسُ كرمها
ما رجَّعت ورقاءُ في تَطريبِها

دعت العقولَ إلى الذُّهول فلم يفز
بجوامع اللذَّات غيرُ مُجيبها

ومليحة ٍ قد أشْبَهتْ شمسَ الضُّحى
في الحُسن عند طلوعها ومَغيبها

تبدو فتختطفُ العيونَ مضيئة ً
بشروقها وتغيبُ في غِرْبيبها

شبَّت فشبَّت في الحشا نارُ الأسى
فقصرتُ أشعاري على تشبيبها

ناسبتُها ونسبتُ في شِعري بها
فاعجبْ لحُسن نَسيبها لنَسيبها

ومن العجائب أنَّ جمرة َ خدِّها
تذكو فيشكو القلبُ حرَّ لهيبها

ما زال منذُ فقدتُّها وَصَبِي بها
يَقضي بصبِّ مدامعي وصَبِيبها

ما ساغَ موردُ وصلها لي ساعة ً
إلاَّ أغصَّتني بعين رَقيبِها

بالله ربِّكم اسمَعوا أشرَحْ لكمِ
في الحبِّ أحوالي على تَرتيبها

أبصرتُها فعشِقتُها فطلبتُها
فمُنِعْتُها فقضيتُ من كلفي بها

يا عاذِلي ما رمتَ راحة مهجتي
من وجدها بلْ زدْتَ في تعذيبها

لا تكثرنْ نُصحي فتلكَ نصائحٌ
يكفيكَ صدقُ هوايَ في تكذيبها

ما هُنَّ غيرُ وساوسٍ تهذي بها
عندي وان بالغتَ في تهذيبها

هيهات يَسلو بالمَلامة مغرمٌ
يزدادُ فرطُ هواهُ من تأنيبها

ويرى السلوُّ مصيبة ً من بعدما
رشقته نبلُ لحاظِها بمصيبها

ما زلتُ انتخبُ القريضَ لوصفها
ولمدح مُنتخَب العُلى ونجيبها

مُولي المعارِف والعوارفِ والنَّدى
وعريفِ ساداتِ الهُدى ونَقيبِها

ان عُدَّت الأنسابُ فهو نسيبُها
وحسيبُها المشهور وابنُ حسيبها

حاز الفخارَ بِنسْبة ٍ نبويَّة ٍ
هي في غنى ً عن بُردها وقضيبها

وروى مُعنعنَ مجده برواية ٍ
جلَّت عن ابن قَرينها وقَريبِها

ندبٌ إذا افتُرِغَتْ منابرُ مِدحة ٍ
كانت مناقبُه لسانَ خَطيبها

وإذا المجالسُ بالصدُور تزاحمتْ
فحسينُها الحسنيُّ صدرُ رَحيبها

هو كعبة ُ الفضلِ التي يَهوي لها
من أمَّة الفُضلاءِ قلبُ مُنيبِها

ذلَّت وأذعَنتِ الأباة ُ لمجدِه
إذعانَ هائِبها لبأس مَهيبها

يا أيُّها الشهمُ الذي سَبقَ الورى
ببعيدِ غاياتِ العُلى وقَريبها

جُزتَ السماء بمُرتقى ً قد قصَّرتْ
عن أن تَنالَ عُلاه كفُّ خَضِيبها

وحويتَ إبَّانَ الشَّباب مَفاخراً
لم يحوِها شيبٌ أوانَ مَشيبِها

لله دَرُّكَ من جَواد ماجدٍ
ضحكت به الآمالُ بعد نَحيبها

وإليكها غرّاءَ تستلبُ النُّهى
بأوانسِ الألفاظِ دونَ غَريبها

وافتكَ تشرحُ شوقَ نَفسي عندما
حنَّت إلى لُقياكَ حَنَّة نِيبِها

قايسْ بها الأشعارَ في حُسنٍ تجدْ
شعرَ المحبِّ يفوقُ شِعرَ حبيبِها

واسلمْ ودُم في نعمة ٍ طولَ المدى
تختالُ من أبرادِها بقَشِيبها

ما رنَّحتْ ريحُ الصِّبا زهرَ الرُّبى
أو غرَّدت ورقاءُ فوقَ قضِيبِها