الوداع المر - طلعت سفر

أسلمتُ فاتنة العيون... فؤادي
وحملتُ أيام الهوى... بسهادي
تبكي... كما تندى الصلاةُ عشيةً
وتولول الأجراسُ في الميلادِ
عينان.. صومعتان... أقرأ فيهما
إنجيل حبي... فوق كل وساد
تصحو المرارة... والتوجع فيهما
وتصيحُ أيام... بلا أعياد
لي فيهما ذكرى... يلملمها الهوى
زُرعتْ بكل ثنيّةٍ... أو وادِ
عصَفَ الفراق... فأسبلتْ
أجفانها
ترعى ظلال غرامها الميّاد
أزمانَ... كان الحب طفلاً لاهياً
أو بسمةً بفمِ الزمان الشادي
جاءت تودعني... بثغر شاحبٍ
وبخافق في صدرها... وقّاد
وقَفتْ... وكان الناس في أجفانها
جمراً... وفي القدميْنِ... كالأصفادِ
مازال يدفعها الهوى... وتصَدّها
كفُّ الحياء.... وأعينُ الحسّاد
رَقَصَتْ بوجنتها عصافير الجوى
ثم ارتمتْ مخضوبة الأجساد
رفّت.. وطار بها الوداع بلابلاً
مذعورةً... فوق الجبين النادي
يعلو... ويهبط... كاليمامة خافقٌ
نادى... ومامن مُنْصتٍ لِمُنادِ
فكأنّه... قد مسّ في جنَباتهِ
برقٌ... مُتون سحابةٍ مِرْعاد
مابال أهلكِ... أشرعوا أجفانهم
وتسمّروا في الأرضِ... كالأوتاد؟!
ركَزوا أسنّةَ أعينٍ مسنونةً
أحقادُها... سُلَّتُ من الأغمادِ
كتموا رنين الحب في آهاتنا
سرقوا.. وميضَ الشوقِ في الأكبادِ
قتلوا التلفُّتَ في العيونِ... وما دَرَوْا
أن الهوى... صعبٌ على الجلاد
لما أطلَّ بها الوداعُ على النوى
واسْتَشْرَفتْ زمناً بثوب حِداد
سالتْ على الأهدابِ أعذبُ دمعةٍ
تحوي خزائنَ لهوِنا المعتادِ...
***
أنا مولعٌ بالحب... حيث وجدتُهُ
أسْكَنْتُهُ من خافقي بسواد
كل النساءِ أحبهنَّ... وإنما
أنتِ التي ملكَتْ عليَّ فؤادي
أمشي إليكِ... بخافقٍ مترنّمٍ
وجوانحٍ... من شوقهنَّ شَوادِ
زادان لي: شوقي إليكِ... وبسمة
في مقلتيكِ... فلا حَلَمْتُ بِزادِ
أنا ما سألتكِ مرة عن موعدٍ
إني ليكفيني شذاك الهادي
أطيابك البيضاءُ... تفتحُ أعيني
وتسير بي.. رغم الظلام البادي
لا تذكري ميعادُنا.. وتخيّري
ماشِئْتِ من أرضٍ... ومن ميعاد
إنّي لتأخذني إليك صبابتي
نيسانُ... يعرف موطن الأوراد
***
مرّ الزمان.. وأنتِ بين جوانحي
كالجمر... تأتلقين بين رمادي
بيني... وبين الناس أوقفكِ الهوى
فأقمْتِ مابيني... وبين رقادي
حُبُّ يساقيني الصدودَ... وذكرُهُ
ينهلُّ بي... عيداً من الأعيادِ
أبداً... يدير ليَ الأسى بيمينه
وأنا أُدير محبتي... وودادي
أنا والمرارة.. لا نزالَ كما الرُّبى
والشمس... تعتنقانِ في الأبعادِ
ولد الأسى.. لما ولدتُ... فأعيني
يَنبوعُ آلام... وبحرُ سهاد
لا تعجبي مما أكابد... إنّني
مذ كنتُ... أحملُ شِقوة الآباد
مدّي يد النُّعمى لقلبي واغسلي
بالحب.. ماصنعتْ يدُ الميلاد
لوّنْتِ أجفانَ الأصائلِ بالمنى
وزرعتِ بالأطيافِ وجهَ وسادي
تركتْ مُلاقاةُ الظلام بأعيني
مِزَقاً... وفي قلبي جدار سواد
أنا رغمَ مابي... لم أزل متوشّحاً
بالكِبْرِ... لم أُذْعِن إلى جلادي
كم ذا دفعتُ النائباتِ براحتي!
وسحبتُ من كفِّ الزمان قِيادي!!
سكنت أساطير الرجولة في دمي
لاكنتُ.. إن كسرَ الزمانَ عِنادي
*
1974