الصدق قل وذر الكذب - نور الدين السالمي

قال الشاعر المجيزي قصيدة تهجم فيها على الإمام السالمي فرد الإمام السالمي عليه بقوله :

*

الصدق قل وذر الكذب
فالصدق ينجي في العقب

والحــق فانشـره ولا
تخشى الدوائر تنقلب

ما قد مضى سيكون إن
هبت الفنا أو لم تهب

قل للذي في زعمه
أبدى النصائح ويك هب

إن الذي خوفتني
إياه أمر لم يهـــب

خوفتني ما ليس عنـ
ـه مهرب ممن هرب

الموت أخشى وهو في
كل الورى حقا وجب

الموت أولى من حيا
ة في المذلة والتعب

الموت عند الحر أحلـ
ـى من دني يرتكب

فاركب من العلياء بالـ
ـعزمات أعلى مرتكب

فإذا استويت على الذي
تهوى فقد نلت الأرب

وإذا المنايا عاجلتـ
ـك فقد عذرت لذي الطلب

قد خاب ذو علم إذا
لم يبد لله الغضب

أخذ الإله عهودنا
ألا نزين مخشلب

ربح التجارة من وفى
بالعهد يوما واحتسب

فالله قد ضمن الوفا
ء لمن وفى ولمن ندب

فالنفس تفدي ديننا
لا نشري بالدين الذهب

والنفس أكرم عندنا
من أن تهان وأن تسب

فارجع لنفسك وانهها
عن ذا التعرض للعطب

واسمع أحاديث العلا
تملى عليك وتكتتب

إن الذي أوضحته
وذكرت من شيم العرب

عز يغادر كل قلب
في الأعادي مضطرب

عز يذكرهم بما
وجدوه عنا في الكتب

عز يريهم أننا
عن حالنا لم نقلب

عز يريهم أننا
والمجد أهل و الحسب

وبه يكون العذر للـ
ـسلطان من أقوى سبب

إذ لم يكن عن رأيه
ما كان منا وانتسب

لكننا قوم خشينا
الخدع منه حين دب

أتكون ذمتكم لمن
بالخدع أيانا حرب

والله يأمرنا بأن
ننبذ إليهم إن نهب

فانبذ إليهم عن سواء
إن تخف خدعا تصب

والخصم لا يخفى عليكم
حاله حيث انقلب

سلب الممالك باحتيا
ل قد علمتم ما سلب

وأتى يخادعكم فقلـ
ـتم إنه الخل المحب

بتم وبات ينوشكم
بمكائد لم تحتسب

شعواء دس إليكم
تحت الليالي والحجب

من هم أن يصطاد من
لم يخشه مكرا وقب

أيبركم ولديه أخـ
ـبار الأوائل تكتتب

كم وقعة تركت جما
جمهم هشيما مختطب

كم عرصة تركت ملو
كهم عبيدا للعرب

كم غزوة تركت ذخا
ئرهم غنائم تنتهب

أيكون مع هذا ودا
د صفاء مرتقب

أيبرخصم خصمه
وله الأمور كما نحب

ما خلفت أسلافكم
إلا الكتائب والكتب

وسياسة تذر البعيـ
ـد من المعالي مقترب

وبسالة يهتز منـ
ـها الخصم رعبا مضطرب

لا بالخدائع حربهم
والمكر ماكان السبب

لكنه ضرب المدافع يطيـ
ـر الهام طيران السحب

وترى الأكف به تسا
قط مثل أوراق تجب

وترى الدماء به تصـ
ـب كمثل غيث ينسكب

وترى المهند فيه يلـ
ـمع مثل برق من كثب

مع قلة منهم وخصمـ
ـهم كأرمال الكتب

فغدوا نجوما يهتدى
بهم من العليا طلب

من ينصر الرحمن ينـ
ـصره ومن يخذل يتب

والله يبلو خلقه
ليثيب منهم من أحب

وهو القدير فلو يشا
نصر العباد بلا سبب

لكنه أعطاهم
عمرا له حدا ضرب

لا ينقصن ولا يزيـ
ـد على الذي منه كتب

وإذا مضى في طاعة
فازوا بحسن المنقلب

وإذا مضى في غيرها
كان الهلاك مدى الحقب

والعمر حتما ذاهب
إن لم تداركه ذهب

ولمن عصى نهج المتا
ب له سبيل فليتب

فأنا النصيح وإن يكن
قولي عليكم قد صعب

وأنا الشفيق وإن حسبـ
ـتم أنني الخصم الحرب

وأن المحب وإن ظننـ
ـتم أنني أعمى أدب

ما كان نصحي للبريـ
ـة بالدراهم مجتلب

لكنه طبع طبعـ
ـت عليه والمولى يهب

بئس المجالس للملو
ك فتى به للدين جب

ما همة إلا امتلا
ء البطن أو نيل النشب

أو كلمة من سيد
يعلو بها وهو الذنب

يا رب ألهم رب دو
لتنا المليك بأن يذب

واكشف له رتب الرجا
ل على اختلافهم رتب

لا يستوي من يطلب الـ
ـعليا ومن يبغي الذهب

فأخو الدراهم عينه
حيث الدراهم تجتلب

وأخو المعالي همه
يعلو الثواقب والشهب

ما كل من خطب المعا
لي نالها لما خطب

مثل الكريمة لا تز
وج ذا الحكاية والريب

تأبى العلا ينزو عليـ
ـها كل قاص مجتنب

لكنه من ليس يقـ
ـرع أنفه مهما وثب

ما المال والدنيا وإن
جاء فليسا بالحسب

با إنما تقوى الإلـ
ـه عي العلا المكتسب

فإذا رزقت مع التقى
نسبا فأكرم بالنسب

من كان ذا نسب شريـ
ـف للمروة يصطحب

تأبى عليه نفسه
رعي الوخيم وإن عشب

والكامل الرجل الذي
حاز المعالي واكتسب

دارت به العلياء من
كل الجوانب والرتب

فنشا تربيه السعا
دة والعناية منذ شب

ذو أنفة لا تستطا
ع وعزة لا تستلب

شهم ترى في وجهه
أثر البسالة يلتهب

ندب يرى الأمر العظـ
ـيم عليه سهلا لو صعب

دمر يرى القاصي من الـ
أشياء منه قد قرب

حر يرى فعل الدنيـ
ـة كالحرام المرتكب

جلد لدى نوب الزما
ن فلا تحركه النوب

صلد يساور عزمه
صرف الخطوب إذا نشب

يلقى المنون كأنه
يلقى الحبيب المحتجب

لا يثنه إلا مخا
فة ربه عما طلب

لا جازع يوما ولا
أسف إذا شام العطب

ماض على حلو القضا
ء ومره لا يضطرب

راض بما قسم الإ
له بفضله ربما وهب

فإذا دعي لملمة
تلقاه أمضى من عضب

وإذا بسام الخسف وا
ثب من يسوم على العضب

لا يصغ مهما زور الـ
ـواشون قولا بالكذب

متأمل ما يعرضن
له بفكر منتخب

كشفت له محض التجا
رب عن أمور ترتقب

فهو الفتى فإذا ظفر
ت به فكفك قد ترب

ربحت يداك إذا غدو
ت لمثل هذا مصطحب

هذا الذي يدنيه من
شاء العلا أن تنتصب

لا ينصح السلطان إلا
من له رأي ثقب

وعزيمة ونصيحة
وسياسة لا تقتضب

وشجاعة وبسالة
منه الأعادي ترتهب

أما الذي من ظله
يخشى فلا يقضي أرب

يا أيها الملك الذي
حاز المعالي والرتب

أنظر هداك الله في
أهل المشورة وانتخب

ما قام عز في البريـ
ـة والرعاع له سبب

كالطود ليس يطيقه
بيت يسقف من خشب

فابن العلا بجبال عز لا يزعزعها الرهب

وارم العلا بسهام من ترمي به حالا تصب

بأماجد شم لهم في الناس سابقة الحسب

لا يرهبون من المنون إذا الكمي لها رهب

لا يهربون إذا توجهت الكماة إلى الهرب

تلقاهم وكأنهم في البأس نار تلتهب

بهم الممالك ترتسي حين الزلازل تضطرب

فاصلح هداك الله قومك تلق منهم ما تحب

ما فيهم من يبغ غيرك لو نهضت بما يجب

فاجمعهم واصلح أمورهم وشمر واحتسب

فالعدل يكسو الملك إجلالا على مر الحقب

ما كان أول دولة إلا به كان السبب

فإذا تولى عدلها فالملك عنها قد ذهب

يا رب أظهر دينك المرضي بالسيف العضب

وانصره يا رباه نصرا يكشفن عنا الكرب

نصرا به تمسي النصارى مثلما كانوا ذنب

والحمد لله الذي قد ألهم النصح المحب

لا زالت العلماء تنصح للملوك وتحتسب

من قام فينا ناصحا فهو الوفي بما يجب

نصح الملوك على الرعية واجب لا مستحب

فإذا تقبله فقد ربحت يداه بما كسب

أولا فقد أعذرت إذ أديت شرعا ما وجب

ثم الصلاة مع السلام على النبي المنتخب

السيد المبعوث بالسيف الحسام وقد حرب

والآل والصحب الألى سادوا الأعاجم والعرب