أنا !.. - محمد مهدي الجواهري

ءما حطَّمتْ جَلَدي يدُ النُوَبِ
لكنْ تَحَطَّمتِ النوائبُ بي

قل للخطوبِ إليكِ فابتعدي
ألمَستِ بي ضَعفْاً لتقترِبي

هتفت لي الأهوال تطلُبني
فبرزتُ حراً غيرَ منتقِب

أنا صخرةٌ ما إن تخوِّفُني
هذي الرياحُ الهوجُ بالصَخَب

إن الليالي حاوَلَت ضَرعَي
فوجدْنَني مُتعسَّرَ الحَلَب

وحَمِدْنَ غَرْبَ شَكيمةٍ عَسرَتْ
عن أن تُنال بعُنف مغتصِب

ومهدِّدي بالشرِّ يُنذرني
إن لم أُطِعْه بسوءِ مُنقلَب

أخْجَلتُه بالضِحك أحسَبهُ
كمُخوِّفٍ للنَبع بالغَرَب

قلتُ اطَّلِعْ فلقد ترىَ عَجَباً
فيه ، فقالَ وأعجَبَ العَجَب

إني أرىَ قلباً يدورُ على
جَيش كموجِ البحر مُضطرِب

ومُناشِدي نَسَباً أمُتُّ به
لم يدرِ ما حَسَبي وما نَسَبي

عندي من الأمواتِ مفخرةٌ
شمّاء مُريبةٌ على الطَلَب

لكن أنِفتُ بأنْ يعيدَ فمي
للناس عهدَ الفَخر بالعَصَب

حسبي تجاريبٌ مَهَرتُ بها
وإلى البلايا السودِ مُنتسَبي

وبذي وتلك كِفايتي شَرَفاً
يُرضِي العُلا ويَسُرَّ قبرَ أبي

هذا التعنُّتُ في تَبصُّرِه
متوقّداً كتوقُّ اللَهَب

إذ لا يلائمُ مَعدِني بَشَرٌ
ما لم يكُنْ من معدِنٍ صُلُب

الفَضلُ فيه لمَلْبَسٍ خَشِنِ
عُوِّدتُه ولمَطعَم جَشِب

ولوالدٍ وُرِّثْتُ من دَمِه
محضَ الإباء وسورةَ الغَضَب

عندي من الجَبَروت أصدقُه
أُبديه للمتُجبِّرِ الكَذِب

لا أبتغي خصمي أُناشده
عَفْواً ولو أطوي على سَغَب

حربٌ لذي صَلَف . وذو أدب
سهلُ القِياد لكلِّ ذي أدَب

ولقد أرى في مدح مُنتَقِصي
لرغيدِ عيش أحسَنَ السَبَب

ليُحِلَّني من بَعد مَسغَبةٍ
في ذي زُروع مُعشِبِ خَصِب

فتلوحُ لي نَفسْي تهدِّدُني
أشباحُها بالويلِ والحَرب

فأعودُ أدراجي أرى سَعَةً
وعِمارةً في عُشِّيَ الخَرب

إني بلَوتُ الدهرَ أعذَبَه
وأمَرَّ ه الروَح والنَصَب

فوجدتُني أدْنى إلى ضَجَر
لكليهما وأحبَّ للوَصَب

ما بَينَ جنبَّي اللذينِ هُما
قَفَصُ الهموم ومَجمَع الكُرَب

قلب يَدُقُّ إلى العَنا طرَباً
ويحن مشتاقاً الى التَعَب

وأخٍ تلائمُني مشاربُه
وطباعُه في الجدِّ واللَعِب

انكَرتُ ضَعفاً في شكيمتِه
ومرونةً تدعو إلى الرِيَب

فطرَحْتُه أخشَى على شَمَمي
عَدوى ليانٍ منهُ مُكتَسَب

ودفنتُه لا القَلبُ يُنشده
أسفاً ولا دَمْعي بمنسَكِب