قضى وما قضيت منكم لباناتُ - ابن نباتة المصري

قضى وما قضيت منكم لباناتُ
متيمٌ عبثت فيهِ الصبابات

ما فاض من جفنه يومَ الرحيل دمٌ
الا وفي قلبه منكم جراحات

غبتم فغابت مسراتُ القلوبِ فلا
أنتم بزعمي ولا تلك المسرات

أحبابنا كل عضو في محبتكم
كليمُ وجدٍ فهل للوصل ميقاتُ

يا حبذا في الصبا عن حيكم خبرٌ
وفي بروق الغضا منكم اشارات

وحبذا زمنُ اللهوِ الذي انقرضت
أوقاته الغرّ والأعمال نيّات

حيثُ المنازلُ روضاة ٌ مدبجة ٌ
وحيثُ جاراتها غيثٌ سحابات

أيام ما شعرَ البينُ المشتّ بنا
ولا خلت من مغاني الانس أبيات

حيثُ الشبابُ قضاياهُ منفذة ٌ
وحيثُ لي في الذي أهوى ولا يات

وحيث أسعى لاوطان الصبى مرحاً
ولي على حكم أيامي ولا يات

وربّ حانة ِ خمارٍ طرقتُ ولا
حانت ولا طرقت للقصف حانات

سبقت قاصد مغناها وكنت فتى ً
إلى المدامِ له بالسبقِ عادات

أعشو الى ديرها الأقصى وقد لمعت
تحت الدجى فكأن الدير مشكاة

واكشف الحجبَ عنها وهي صافية ٌ
لم يبق في دنها إلا صبابات

راحٌ زحفت على جيشِ الهمومِ بها
حتى كأن سنا الأكواب رايات

وبتّ أجلو على الندمان رونقها
حتى أصبحوا من قبل ماباتوا

مصونة السر ماتت دون غايتها
حاجاتُ قوم وللحاجاتِ أوقات

تجولُ حولَ أوانيها أشعتها
كأنما هي للكاسات كاسات

وتصبج الشرب صرعى دون مجلسها
وهي الحياة كأن الشربَ أموات

تذكرت عند قومٍ دوس أرجلهم
فاسترجعت من رؤس القوم ثارات

واستضحكت فلها في كل ناحية ٍ
هبات حسن وفي الآناف هبات

كأنها في أكفّ الطائفين بها
نارٌ تطوف بها في الأرض جنات

من كل أغيدَ في ديناروجنته
توزعت من قلوب الناس حبات

مبلبل الصدغ طوع الوصل منعطف
كأن أصداغه للعطف واوات

ترنحت وهي في كفيه من طربٍ
حتى لقد رقصت تلك الزجاجات

وقمت أشرب من فيهِ وخمرتهِ
شرباً تشنّ به في العقل غارات

وينزلُ اللثمُ خديه فينشدها
هي المنازلُ لي فيها علامات

سقياً لتلك اللييلاتِ التي سلفت
فإنما العمرُ هاتيك اللييلات

تقاصرت عن معاليها الدهور كما
تقاصرت عن كمال الدين سادات

حبرٌ رأينا يقينَ الجود من يدهِ
وأكثرُ الجود في الدنيا حكايات

محجب العزّ في أيام سؤددهِ
للعز محوٌ وللأمداح إثبات

سما على الخلق فاستسقوا مواهبه
لا غروَ أن تسقيَ الأرض السموات

واستشرف العلم مصقولاً سوالفه
بدهره وزهت لليمن وجنات

واستأنف الناسُ للأيام طيب ثناً
من بعد ما كثرت فيها الشكايات

لا يختشي موتَ نعمى كفه بشرٌ
كأنّ أنعمهُ للخلقِ أقوات

ولا تزحزحُ عن فضلٍ شمائلهُ
كأنها لبدورِ الفضلِ هالات

يا شاكي الدهرِ يممهُ وقد غفرت
من حول أبوابه للدهر زلاّت

ويا أخا الذنبِ قابل عفوه أمماً
أيان لا ملجأ أو لا مغارات

ولا يغرنك غفران فتغمره
فللعقار على لين شرارات

ويا فتى العلم إن أعيتك مشكلة ٌ
هذا حماه المرجى والهدايات

ويا أخا السعي في علم وفي كرم
هذي الهدايا وهاتيك الهدايات

لا تطلبنّ من الأيامِ مشبههُ
ففي طلابك للأيام إعنات

ولا تصخ لأحاديث الذين مضوا
ألوى العنان بما تملى الروايات

طالع فتاويه واستنزل فتوتهُ
تلقَ الافاداتِ تتلوها الإفادات

وحبر الوصف في فضلٍ بأيسره
تكاد تنطقُ بالوصفِ الجمادات

فتى ً تناولَ صحفَ المجد أجمعها
من قبل ما رقمت في الخدّ خطّات

حامي الديار بأقلامٍ مسددة
تأخر الشك عنها والغوايات

حامي الذّمار بأقلام لها مددٌ
من الهدى واسمه في الطرس مدّات

قويمة تمنع الاسلام من خطر
فأعجب لها ألفات وهي لامات

تعلمت بأس آساد وصوب حياً
منذ اغتدت وهي للآساد غابات

وعودت قتل ذي زيغ وذي خطل
كأنها من كسير الحظّ فضلات

وجاورت يد ذاك البحر فابتسمت
هنالك الكلماتُ الجوهريات

لفظٌ تشف عن المعنى لطافته
كما تشفّ عن الراح الزجاجات

عوّذ بياسينَ أطراساً براحته
فيها من الزخرف المشهودِ آيات

واستجلِ منطقة الأعلى وطاعته
تجلى الشكوك ولا تشكى الدجنات

أغرّ يهوى معادَ الذكر عنه اذا
قيل المعادات أخبارٌ معادات

تعجّ طلابه من حول ساحته
فما تفهّمُ من ناديه أصوات

وفدٌ وخيلٌ وآبالٌ محبرة
مدحاً قد اختلفت فيه العبارات

اذا تعمق في نعماءَ ضاعفها
كأنّ كلّ نهاياتٍ بدايات

وان خطا للمعالي خطوة ً بهرت
كأنّ أولَ ما يخطوه غايات

لا عيبَ فيه سوى علياء معجزة
فيها لأهل العلى قدماً نكايات

يجري دمُ التبرِ للنزالِ بعدهمُ
هذا هو الجود لانابٌ ولا شاة

ويجتلى من سجاياه التي اشتهرت
للضدّ هلكٌ وللمعتزّ منجاة

فلا وقاية َ تحمي وفدَ راحته
بلى على عرضه الأنقى وقايات

ولا مثالَ لما شادت عزائمه
إلا اذا نيلت الشهبُ المنيرات

في كل يوم دروسٌ من فوائده
ومن بواديء نعماه إعادات

صلى وراءَ إياديهِ الحياء فعلى
تلك الأيادي من السحب التحيات

وصدّ عما يروم اللوم نائله
فما تفيد ولا تجدي الملامات

يرامُ تأخيرُ جدواه وهمتهُ
تقول إيهاً فللتأخير آفات

من معشر نجب ماتوا وتحسبهم
للمكرمات وطيب الذكر ما ماتوا

ممدحين لهم في كل شارقة ٍ
برٌّ وتحت سجوف الليل إخبات

لا تشتكي الجور الا من تعاندهم
ولا تذمهمُ في المحلِ جارات

ولا تسوق رياح المزن أيسر ما
ساقته تلك النفوس الأريحيات

بيتٌ أتمته أوصافُ الكمال كما
تمت بقافية المنظوم أبيات

ما روضة قلدت إحياء سوسنها
من السحاب عقودٌ لؤلؤيات

وخطتِ الريحُ خطاً في مناهلها
كأن قطرَ الغوادي فيه جريات

وللجداولِ تصفيقٌ بساحتها
والقطر روضٌ وللأطيار رنات

يوماأ بأبهج من أخلاقه نظراً
أيامَ تنكر أخلاقٌ سريات

ولا الغيوثُ بأسخى من عوائده
أيام تعيي السجيات السخيات

ولا الشموس بأجلى من فضائلهِ
أيام تدجو الظنون اللوذعيات

ولا النجوم بأنآى من مراتبه
أيام تقتصر الأيدي العليات

قدرٌ علا فرأى في كل شمس ضحى ً
جماله فكأن الشمس مرآة

وهمة ٌ ذكرها سارٍ وأنعمها
فحيثما كنت أنهارٌ وروضات

يا ابن المدائح إن أمدح سواك بها
فتلك فيهم عوارٍ مستردات

لي نية ٌ فيك إذ لي فيهمُ كلمٌ
وانما لبني الأعمال نيات

الله جارك من ريب الزمان لقد
تجمعت للمعالي فيك أشتات

جاورت بابك فاستصلحت لي زمني
حتى صفا وانقضت تلك العداوات

ولا طفتني الليالي فهي حينئذ
من بعد أهليَ عماتٌ وخالات

ونطقتني الأيادي بالعيون ثنى ً
فللكواكب كالآذان إنصات

وبتّ لا أشتكي حالاً اذا شكيت
في باب غيرك أحوال وحالات

إلا ذوي كلمٍ لو أنّ محتسباً
تكلمت من جميع القوم هامات

يزاحمون بأشعارٍ ملفقة ٍ
كأنها بين أهلِ الشعرِ حشوات

ويطرحون على الأبواب من حمقٍ
قصائداً هي في التحقيق بابات

من كل أبلهَ لكن ما لفطنته
كالبلهِ في هذه الدنيا إصابات

يحمّ حين يعاني نظمَ قافية ٍ
عجزاً فتظهرها تلك الخرافات

ويغتدي فكره المكدودُ في حرقٍ
وقد أحاطت بما قال البرودات

وقد يجيء بمعنى بعد ذا حسنٍ
لكن على كتفيه منه كارات

أعيذُ مجدك من ألفاظهم فلها
جنى ً كأنّ معانيهم جنايات

لا يغرهم بندى ً يأتيهمُ فكفى
مدحاً بأن يتأتى منك إنصات

ان لم تفرق بفضل بين نظمهمُ
وبين نظمي فما للفضل لذات

حاشاك أن تتساوى في جنابك من
قصائدِ الشعر سوآتٌ وجبهات

خذها عروساً لها في كل جارحة ٍ
لواحظٌ وكؤسٌ بابليات

أوردت سؤددك الأعلى مواردها
وللسها في بحار الأفق عبّات

شماء يركعُ نظمُ الناظمين لها
كأنما ألفاتُ الخط دالات

نعم الفتى أنت يستصغى الكلام له
حتى تسير له في العقل سورات

ويطرب المدحُ فيه حين أكتبه
كأن منتصب الأقلامِ نايات

ما بعد غيثك غيثٌ يستفاد ولا
من بعد إثبات قولي فيك إثبات

خصصت بالمدح اللاتي قد ارتفعت
مني الثناء ومن نعماك آلات

فسد وشد وابقَ ما دام الزمانُ ففي
بقياك للدين والدنيا عنايات

حزت المحامد حتى ما لذي شرفٍ
من صورة ِ الحمدِ لا جسمٌ ولا ذات